وحيد ضيعتنا …وداعاً
لروح صديق طفولتي وشبابي صبري جمعة

العمر مضى يا صبري
والنار في ضلوعنا سارية
والشوق إليك كبير
إلى ملاعب طفولتنا الغالية
كبرو يونان وشمعون بنو
وتوما ميخو وأنت وأنا
كم ركضنا في البيادر ولعبنا
كم هربنا إلى الحقول والكروم
كم قرأنا وتسابقنا في العلوم
كم جلسنا على مقاعدِ مدرستنا
ودخلنا وأكلنا في بيوت ضيعتنا
أيها الشقيُّ لماذا الهروب ؟
أترحلُ وحدكَ ياصبري وتتركنا
لم نعد نستطيعُ الكلام والجدال
ولم تعد تستطيع صبايا ضيعتنا
اللعب بالخرزِ والنطِّ على الحبال
كيف عبر الموتُ سريعاً إليك
وسرق كلّ الأضواء من عينيك؟
وأحرق عن قصدٍ بنود صداقتنا
ومزّق ميثاق الرفقة .
كنتَ صديقاً حميماً وأخاً
كنتَ دينامو العمل في ضيعتنا
ولا يهدأ لكَ بالٌ إلا بصحبتنا
كنتَ السنديانة الوحيدة بضيعتنا
كنتَ وحيد أهلكَ ونخاف عليك
وأنتَ عن قصدٍ تزيدُ دلالك علينا
هل بصدقٍ سرقكَ الموت من حديقتنا ؟
وهل ستحضنكَ ظلمةُ القبر؟
هذا أمرٌ شبه مستحيل
أن يحدثَ هكذا أمر بدون موافقتنا
فنحنُ برغمِ البعاد لازلنا أصدقاء
ولا بُدَّ أن نتناقشَ دون خجلٍ وحياء
فأنتَ وحيدُ ضيعتنا الذي نخافُ عليه
وكم شدّدنا الحراسة عندما أرادوا الهجوم عليك ؟
البارحة كنتُ أتكلّمُ عنكَ وعن ماضينا
فمهما تغرّبنا نبقى إخوة وأصدقاء
وكلّ يومٍ كانت أفكاري تسافرُ إليك
إلى كلِّ زاويةٍ وبيدرٍ وحقلٍ في ضيعتنا
كنتُ أتعلّقُ بلحيةِ الغيوم الماطرة
وأصنعُ من أحلامنا طائرات ورقٍ سحريّة
تسافرُ إلى حقول القمح والشعير
فذكرياتنا كلّها يا صبري هناك
كيف تقرّرُ بعنادكَ السفر إلى السماء؟
لازال لدينا أملٌ أن تعودَ إلينا
لنرجعَ صغاراً ونلعبَ الغمّيضة والصنم
والبرِّة وكرة القدم في بيادرنا
لابدَّ أن تفكّرَ في العودةِ إلينا
ربما قمراً لينيرَ ليالي ضيعتنا
أو مطراً ليسقي حقولنا وزرعنا وخضرتنا
أو حمامة بيضاء تجلسُ على سطح مدرستنا
وربما تعود إلينا نسمة باردة عند المساء
ونركضُ، نبحثُ عن كتبنا ودفاترنا القديمة
عن دروس الحساب والجغرافية ووظائف الإملاء
ومن المؤكدِ صبايا ضيعتنا أشتقنَّ إليك
وسيتغامزنَّ ويحاولنَّ سحبَ ضحكةٍ بريئةٍ من عينيك
فلا أحدَ مثلكَ يعرفُ كم كمشةِ ترابٍ في قريتنا
وكم سنبلةٍِ ، وباقة عدسٍ وحمّصٍ أنتجت تربتُنا
كنتَ الخبيرَ الذي درسَ تاريخ عشرتِنا
وحكايا تعبِنا وحزننا وفرحنا في ضيعتنا
هكذا ترحلُ صبري من دونِ إرادتنا
وتتركنا مصدومينَ في حزننا ودهشتنا
وعندما نتعبُ من الكلامِ حتماً سنعودُ
ونقولُ كما قالَ غيرنا: هي إرادةُ ربنا .
أرحل بسلام أيها المحارب العنيد
قد أبليتَ بلاءً حسناً من أجل البقاء
ونحنُ ههنا، جموعُ أهلكَ وعائلتكَ والأصدقاء
عيوننا يا صبري قد أمتلأت بالدموع
نودِّعُكَ ونصلّي أن تكون في أحضانِ يسوع.
@ كُتبت بشكل مباشر ومن دون أيِّ رتوش
كان غالياً ووحيداً
وداعاً أبن ضيعتنا
@ كتبتُ لأحدهم على الفور عندما سمعتُ:
يا إلهي ماذا يجري؟
أمعقولٌ رحلَ صبري
عشنا الحياةَ كلها معاً
كان أخي وصديقَ عمري.
وكتبتُ لآخر:
يبدو أننا أمامَ تحدٍّ صعب
الموت يهاجم البيوتَ ويعلنُ الحرب
فإلى أين الهروبَ ؟
إلى الشرقِ أم إلى الغرب؟
وكتبتُ لآخر:
هو حلمٌ أم حقيقة ؟
أنَ الحياةَ تنتهي بدقيقة
ماذا يجري حولنا لا أدري؟
صديقُ عًمرِنا قد عرفَ الحقيقة.
وكتبتُ لآخر:
ولدنا معاً، وعشنا معاً، ولعبنا في البيادر
والله يديرُ الحياة، ويوجّهُ الملائكةَ والمخافر
وكان نصيبُهُ أن يكونَ اليومَ للسماءِ مُسافر.