:
بحر النسيان
بقلم
بنت السريان
فوق رابية جلس القرفصاء يُقٌلب صفحات تأريخه الأسوَد وماضيه السحيق،
ففي كل صفحة إثم وفي كل زاوية جرم حتى وصل به المطاف إلى آخر صفحة بين يديه وحصيلتها تسعا وتسعين قتيلا،
إنها تقطر دما فقد أقلقته صيحات القتلى:
حتى متى أيها القدوس والحق، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟ (رؤ6: 10)..
. تعرٌت نفسه وانكشفت حقيقة أمره وها هو يواجه واقعه المرير... ضميره يؤنبه .. سفاح أنت يا هذا !.
ولكي يتخلص من نداء الضمير،
انحدر عن الرابية مسرعا إلى حيث لا يدري!، لكن أين المهرب؟..
تساؤلات جوابها: ليس إلا " مجرم أنا " ...
وفي زحمة تخًُبط أفكاره لمح دارا يدخله نساء ورجالٌ !،
حاور نفسه: لابدٌ هناك أمر ما، عمد على استكشاف الأمر!
فقد تعلم أن يحشر نفسه في كل أمرٍ خوف أن يخسر شيء أو يغلبه أحد!،
دخل وجلس أسوة بالحاضرين، لكنه مرهق..
غطٌ في نوم عميق،
استفاق على صوت عظيم لمتشح بالجبروت ينادي:
إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج،
إن كانت حمراء كالدودي تصيرُ كالصوف (إش1: 18)،
وإن تبتم عنها وما عدتم إليها، ينساها الرب ويرميها في بحر النسيان.
ترى وما أدراك ما بحر النسيان؟
.. بحر لا وجود له على خارطة التاريخ، وما سمعنا عنه في دنيانا... أي بحر هذا ؟..
لن أبقيك تتساءل محتارا عزيزي القارئ،
إن هذا البحر أعدٌه الله لخائفيه التائبين،
حيث يرمي خطاياهم وآثامهم، ولا يعد يذكرها إن تابوا عنها فعلا...
تُرى هل تنسى أنت يا صاحبي فعلة صديقك لو تاب إليك ؟ تأمل!!.
خرج السفٌاح مسرعا، لم يسُوغ له الحديث، وأسرع الخطى وضميره يلاحقه،
فكلما أسرعت قدماه المسير كلما تعاظمت طرقات تأنيب الضمير،
كان يجري على غير هدى حتى وصل دارا طرق بابها يستجدي شربة ماء وكسرة خبز..
ما أن فتح الباب حتى أُدخل ضيفا معززا مكرما!!
عندها دقٌ جرس العشاء واجتمع الإخوة حول منضدة خشبية ..
حضر المتشح بالجبروت ذاته ..
نهض الجميع للصلاة، وبعد البركة تناولوا الطعام .. قليلا من الباقلاء وكسراتٍ من الخبز اليابس .
جلس الإخوة يستمعون والمتصدر يعضهم قائلا:
إن كانت خطاياكم كالقرمز تصير بيضاء كالثلج وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف
وإن تبتم عنها لا يذكرها الله بل يرميها في بحر النسيان ...
ليس اعتباطيٌا ما يجري إنما تدبير من الرب ...
نهض السفاح قائلا
اسمع يا هذا: عن القتل، فقد قتلت تسعا وتسعين، إضافة إلى كل الموبقات .. أنا فعلتها،
أإلاهك هذا قادر أن يخلصني مما أنا فيه؟
بهدوء قاده المتصدر (رئيس الدير) إلى فناء خارجي،
واخذ عصا محروقة بيده وغرسها بالرمل قائلا له:
متى ما أصبحت هذه العصا شجرة تآوت إليها طيور السماء يكون الله قد غفر إثمك!!.
خرج السفاح من الدير يائساَ حاملا بندقيته فهناك طرقات قوية تطرق مسمعه،
انه فضوليٌُ بطبعه ولابد أن يستكشف ما تكون هذه الطرقات حتى وصل مقبرة دخلها وصوت الطرقات يتصاعد ..
إنه قريب من المصدر والمقبرة كثيفة الأشجار ..
توارى خلف شجرة، ويا لهول ما رأى ..
شاب حفر قبرا واخرج الجثة يخاطبها قائلا:
والآن أيستطيع ذووك أن يحرموني منك؟ وانكبّ فوق الجثة لينتهك حرمتها..
لكن هيهات فالسفاح أطلق الرصاصة المائة قائلا:
بتسع وتسعين هالكٌ أنا.
. ما يضيرني القتيل المئة!! وأردى الشاب قتيلا..
عندها نادى بصوت عالِ يا اله هؤلاء انظر إن كنت ترضى أنت ؟
جلس ينتظر لا يدري ما يجب أن يفعله،
وإذا برئيس الدير قادم مع الرهبان بصلوات وصنوج يستكشفون الأمر
فقد أصبحت تلك العصا اليابسة شجرة وأينعت وها هي الطيور قد آوت إليها!!
إن أمراً جلل قد حدث أرضى الله عنك أيها الإنسان الشقي ..
وبعد أن انجلى الموضوع، تدبروا دفن الجثتين، واتى السفاح إلى الدير،
عاين الشجرة، ركع أمام رئيس الدير قائلا: لا رجعة لي لحياة الدنيا الفانية،
اقبلني يا أبتاه خادما أعمل لآخرتي في أيامي الباقية ..
وهكذا أصبح السفاح راهبا بعد أن كان مجرما!!!
الحياة فرصٌ،
هلمٌ واغتنم الفرصة وتب ما دمت على قيد الحياة
، فليس في القبور من يتراجع،
وليس للموتى فرصة للتوبة ..
ولكل قصة عبرة .. والعبرة لمن اعتبر ..
وتلك قصة من قصص الأجداد، تذكرتها بنت السريان في صدى السنين
بنت السريان
سعاد اسطيفان.
[/color][/color]بحر النسيان
بقلم
بنت السريان
فوق رابية جلس القرفصاء يُقٌلب صفحات تأريخه الأسوَد وماضيه السحيق،
ففي كل صفحة إثم وفي كل زاوية جرم حتى وصل به المطاف إلى آخر صفحة بين يديه وحصيلتها تسعا وتسعين قتيلا،
إنها تقطر دما فقد أقلقته صيحات القتلى:
حتى متى أيها القدوس والحق، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟ (رؤ6: 10)..
. تعرٌت نفسه وانكشفت حقيقة أمره وها هو يواجه واقعه المرير... ضميره يؤنبه .. سفاح أنت يا هذا !.
ولكي يتخلص من نداء الضمير،
انحدر عن الرابية مسرعا إلى حيث لا يدري!، لكن أين المهرب؟..
تساؤلات جوابها: ليس إلا " مجرم أنا " ...
وفي زحمة تخًُبط أفكاره لمح دارا يدخله نساء ورجالٌ !،
حاور نفسه: لابدٌ هناك أمر ما، عمد على استكشاف الأمر!
فقد تعلم أن يحشر نفسه في كل أمرٍ خوف أن يخسر شيء أو يغلبه أحد!،
دخل وجلس أسوة بالحاضرين، لكنه مرهق..
غطٌ في نوم عميق،
استفاق على صوت عظيم لمتشح بالجبروت ينادي:
إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج،
إن كانت حمراء كالدودي تصيرُ كالصوف (إش1: 18)،
وإن تبتم عنها وما عدتم إليها، ينساها الرب ويرميها في بحر النسيان.
ترى وما أدراك ما بحر النسيان؟
.. بحر لا وجود له على خارطة التاريخ، وما سمعنا عنه في دنيانا... أي بحر هذا ؟..
لن أبقيك تتساءل محتارا عزيزي القارئ،
إن هذا البحر أعدٌه الله لخائفيه التائبين،
حيث يرمي خطاياهم وآثامهم، ولا يعد يذكرها إن تابوا عنها فعلا...
تُرى هل تنسى أنت يا صاحبي فعلة صديقك لو تاب إليك ؟ تأمل!!.
خرج السفٌاح مسرعا، لم يسُوغ له الحديث، وأسرع الخطى وضميره يلاحقه،
فكلما أسرعت قدماه المسير كلما تعاظمت طرقات تأنيب الضمير،
كان يجري على غير هدى حتى وصل دارا طرق بابها يستجدي شربة ماء وكسرة خبز..
ما أن فتح الباب حتى أُدخل ضيفا معززا مكرما!!
عندها دقٌ جرس العشاء واجتمع الإخوة حول منضدة خشبية ..
حضر المتشح بالجبروت ذاته ..
نهض الجميع للصلاة، وبعد البركة تناولوا الطعام .. قليلا من الباقلاء وكسراتٍ من الخبز اليابس .
جلس الإخوة يستمعون والمتصدر يعضهم قائلا:
إن كانت خطاياكم كالقرمز تصير بيضاء كالثلج وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف
وإن تبتم عنها لا يذكرها الله بل يرميها في بحر النسيان ...
ليس اعتباطيٌا ما يجري إنما تدبير من الرب ...
نهض السفاح قائلا
اسمع يا هذا: عن القتل، فقد قتلت تسعا وتسعين، إضافة إلى كل الموبقات .. أنا فعلتها،
أإلاهك هذا قادر أن يخلصني مما أنا فيه؟
بهدوء قاده المتصدر (رئيس الدير) إلى فناء خارجي،
واخذ عصا محروقة بيده وغرسها بالرمل قائلا له:
متى ما أصبحت هذه العصا شجرة تآوت إليها طيور السماء يكون الله قد غفر إثمك!!.
خرج السفاح من الدير يائساَ حاملا بندقيته فهناك طرقات قوية تطرق مسمعه،
انه فضوليٌُ بطبعه ولابد أن يستكشف ما تكون هذه الطرقات حتى وصل مقبرة دخلها وصوت الطرقات يتصاعد ..
إنه قريب من المصدر والمقبرة كثيفة الأشجار ..
توارى خلف شجرة، ويا لهول ما رأى ..
شاب حفر قبرا واخرج الجثة يخاطبها قائلا:
والآن أيستطيع ذووك أن يحرموني منك؟ وانكبّ فوق الجثة لينتهك حرمتها..
لكن هيهات فالسفاح أطلق الرصاصة المائة قائلا:
بتسع وتسعين هالكٌ أنا.
. ما يضيرني القتيل المئة!! وأردى الشاب قتيلا..
عندها نادى بصوت عالِ يا اله هؤلاء انظر إن كنت ترضى أنت ؟
جلس ينتظر لا يدري ما يجب أن يفعله،
وإذا برئيس الدير قادم مع الرهبان بصلوات وصنوج يستكشفون الأمر
فقد أصبحت تلك العصا اليابسة شجرة وأينعت وها هي الطيور قد آوت إليها!!
إن أمراً جلل قد حدث أرضى الله عنك أيها الإنسان الشقي ..
وبعد أن انجلى الموضوع، تدبروا دفن الجثتين، واتى السفاح إلى الدير،
عاين الشجرة، ركع أمام رئيس الدير قائلا: لا رجعة لي لحياة الدنيا الفانية،
اقبلني يا أبتاه خادما أعمل لآخرتي في أيامي الباقية ..
وهكذا أصبح السفاح راهبا بعد أن كان مجرما!!!
الحياة فرصٌ،
هلمٌ واغتنم الفرصة وتب ما دمت على قيد الحياة
، فليس في القبور من يتراجع،
وليس للموتى فرصة للتوبة ..
ولكل قصة عبرة .. والعبرة لمن اعتبر ..
وتلك قصة من قصص الأجداد، تذكرتها بنت السريان في صدى السنين

بنت السريان
سعاد اسطيفان.