إنجيل القداس الالهي مت 15
حِينَئِذٍ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ الَّذِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا؟
فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ أَيْضًا، لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ؟ فَإِنَّ اللهَ أَوْصَى قَائِلًا: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلاَ يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ!
يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلًا:
يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا.
وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ.
ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا.
لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ.
الشرح
بعد الدعاء من الرب يسوع المسيح له المجد الذي هو معلمنا ومرشدنا ومعزينا نقول:
بينما كانت الجماهير تشتهي أن تلمس هُدب ثوبه لتُشفى (مت 14: 36)، إذا بالكتبة والفريسيين لا يطيقون كلماته الملوكيّة ولا يحتملون حبّه الإلهي للبشريّة، فأخذوا منه موقف الناقدين والمجرِّبين. لقد أُؤتُمن الكتبة على كلمة الله لكي يكتبوها بدقّة، والفرّيسيّون لكي يفسِّروها للشعب، حتى متى جاء كلمة الله ذاته متجسّدًا يفرحون ويتهلّلون ويدخلون مع الشعب إليه ليملك في قلوبهم، ويستجيبون له بكل حياتهم. كان يليق بالكتبة والفرّيسيّين أن يتسلّموا بالأكثر قيادة الشعب منحنين أمام كلمة الله الحيّ الملك المسيّا، لكن إذ تحوّلت قلوبهم عن خدمة الكلمة إلى خدمة ذواتهم، صاروا رافضين الكلمة الإلهي ومقاومين له، وكأنه قد جاء ليسحب الكراسي من تحتهم أو يغتصب مراكزهم.
جاء المسيح له المجد ليملك على القلب، فقاومه هيرودس بينما كان يسوع طفلًا، لئلا يغتصب عرشه. وعندما بدأ خدمته لم يقدر الشيطان إلا أن يُعلن الحرب علانيّة خشية أن تنهار مملكة ظلمته. وفي أثناء الخدمة هرع أصحاب الكراسي والكرامات يقاومونه لئلا ينهاروا في أُعين الشعب. وبقي المسيح الجبار موضع هجوم حتى ارتفع على الصليب. وبينما تكاتفت القُوى لهدم مملكته، إذ بهذا الموقف يصير جزءً لا يتجزأ من إعلان ملكوته الخفي في قلوب الكثيرين، وإذ ظنّ المقاومون أنهم بالصليب يضعوا حدًا لنهاية عمله، إذ بهم يكتشفون أن الصليب عينه هو السبيل الوحيد لإعلان مملكته، واجتذاب الأمم إلى خلاصه المجّاني. فالمقاومة للحق لا تحطّمه، بل تفتح أمامه الطريق ليُعلن بأكثر قوّة وعلى أوسع نطاق.
إن رب المجد يبقى مُقاوَمًا في شخصه وصليبه وإنجيله عبر الأجيال للأسف حتى ممن يحملون اسمه أحيانًا، والذين يظهرون كأبناء مملكته. لكن بقدر ما تزداد مقاومته يتجلّى بوضوح وسط مملكته، ويشرق بهاؤه على الجالسين في الظلمة. ما أعجب ما قاله القديس الذي قاوم الرب كثيرًا قبل قبوله الإيمان بفلسفته ودنس حياته، والذي كرّس كل طاقاته لحساب الملك المسيح عندما تعرّف عليه، فإنه يرى في المقاومين للكِتاب والهراطقة أنهم يدفعوننا بالأكثر إلى معرفة الأسرار، إن كنّا نعيش بتقوى، إذ يقول: لتلاحظوا أيها الإخوة المقدّسين فائدة الهراطقة، هذه التي حسب تدبير الله الذي يستخدم حتى هؤلاء الأشرار استخدامًا نافعًا. فبينما ترتد تدابيرهم إليهم لا يرتدّ إليهم الخير الذي يُخرجه الله منهم،
إذ يسمع الآباء أن ما ينبغي تقديمه لهم صار من القربان المخصّص لله يحجمون عن أخذه من أبنائهم، حتى وإن كانوا في عوْز شديد لضرورات الحياة. كما يقول: بأن الفرّيسيّين كانوا محبّين للمال (لو 6: 14) فتظاهروا بجمعه للعطاء للفقراء، حارمين الوالدين من عطايا أولادهم.
هذا من جانب ومن جانب آخر قدّموا في تقليدهم بعض الحرفيّات والشكليّات في العبادة والسلوك، لا هدف لها سوى حب الظهور بثوب التديّن دون الروح الداخلي الحيّ.
يدعوهم مرائين لأنهم يَظهرون كمُدافعين عن الحق وهم كاسِروه، يحملون صورة الغيرة على مجد الله وهم يهتمّون بما لذواتهم. يتقدّمون كمعلّمين وهم عميان في حاجة إلى من يعلّمهم. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: إن كان يُحسب أمرًا خطيرًا ألا يكون للأعمى قائد (يرشده)، فكم بالأكثر إن أراد الأعمى أن يقود غيره.
دعا السيّد المسيح الجميع، وفي رقّة قال لهم: اسمعوا وافهموا. إنه الطبيب الحكيم الذي يعرف متى يحتاج المريض إلى ضربات المشرط ليقتلع كل فساد، ومتى يستخدم الدُهن الطيِّب ليُلطِّف الجراحات، متى يجرح ومتى يضمِّد. لم يكن ممكنًا شفاء المعلّمين المرائين بالكلمات الطيّبة، فإن هذا يغطي على شرّهم في الداخل ليفسد الجسد كله، أمّا الشعب البسيط فلا يحتمل كلمة قاسية لئلا يتحطّم ويتعسَّر باليأس، وإنما يحتاج إلى كلمات رقيقة تسنده وترفعه إلى الرجاء. بهذا يملك الرب على القلوب، مستخدمًا الكلمة القاسية كما الرقيقة لينفتح له القلب. هكذا دعا المسيح له السلطان الجموع ليشرح لهم أمر الأيدي غير المغسولة، ليس دفاعًا عن تلاميذه، وإنما لأجل بنيانهم الروحي، ولكي لا يتعثّروا بسبب الشكوك التي يثيرها الكتبة والفرّيسيّون.
أراد المسيح له القدرة أن يمسك الجماهير البسيطة بيده ويدخل بهم إلى الحياة الداخليّة، ليُدركوا أن سرّ الحياة والقداسة لا يكمن في الأعمال الخارجيّة الظاهرة، وإنما في الحياة الداخليّة. إنه لم يتجاهل ما يدخل الفم تمامًا، لكنّه ليس هو الذي يُنجِّس، بل ما في داخل الإنسان والمُعلن خلال ما يخرج من الفم.
عندما تنجّس قلب الأبوين الأوّلين الداخلي اهتمّا لا بعلاج الداخل، إنّما بستر جسديهما في الخارج، كمن يُزيّن بيته المُنهار عِوض معالجة أساساته. هكذا اهتم قادة اليهود بغسل الأيدي قبل الطعام حتى لا يتنجّسوا، ولم يهتمّوا بما يصدر عن قلوبهم من نجاسات تظهر خلال كلماتهم المملوءة رياءً وإدانة.
وللمسيح المجد من الان وإلى ابد الآبدين آمين.
حِينَئِذٍ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ الَّذِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا؟
فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ أَيْضًا، لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ؟ فَإِنَّ اللهَ أَوْصَى قَائِلًا: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلاَ يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ!
يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلًا:
يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا.
وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ.
ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا.
لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ.
الشرح
بعد الدعاء من الرب يسوع المسيح له المجد الذي هو معلمنا ومرشدنا ومعزينا نقول:
بينما كانت الجماهير تشتهي أن تلمس هُدب ثوبه لتُشفى (مت 14: 36)، إذا بالكتبة والفريسيين لا يطيقون كلماته الملوكيّة ولا يحتملون حبّه الإلهي للبشريّة، فأخذوا منه موقف الناقدين والمجرِّبين. لقد أُؤتُمن الكتبة على كلمة الله لكي يكتبوها بدقّة، والفرّيسيّون لكي يفسِّروها للشعب، حتى متى جاء كلمة الله ذاته متجسّدًا يفرحون ويتهلّلون ويدخلون مع الشعب إليه ليملك في قلوبهم، ويستجيبون له بكل حياتهم. كان يليق بالكتبة والفرّيسيّين أن يتسلّموا بالأكثر قيادة الشعب منحنين أمام كلمة الله الحيّ الملك المسيّا، لكن إذ تحوّلت قلوبهم عن خدمة الكلمة إلى خدمة ذواتهم، صاروا رافضين الكلمة الإلهي ومقاومين له، وكأنه قد جاء ليسحب الكراسي من تحتهم أو يغتصب مراكزهم.
جاء المسيح له المجد ليملك على القلب، فقاومه هيرودس بينما كان يسوع طفلًا، لئلا يغتصب عرشه. وعندما بدأ خدمته لم يقدر الشيطان إلا أن يُعلن الحرب علانيّة خشية أن تنهار مملكة ظلمته. وفي أثناء الخدمة هرع أصحاب الكراسي والكرامات يقاومونه لئلا ينهاروا في أُعين الشعب. وبقي المسيح الجبار موضع هجوم حتى ارتفع على الصليب. وبينما تكاتفت القُوى لهدم مملكته، إذ بهذا الموقف يصير جزءً لا يتجزأ من إعلان ملكوته الخفي في قلوب الكثيرين، وإذ ظنّ المقاومون أنهم بالصليب يضعوا حدًا لنهاية عمله، إذ بهم يكتشفون أن الصليب عينه هو السبيل الوحيد لإعلان مملكته، واجتذاب الأمم إلى خلاصه المجّاني. فالمقاومة للحق لا تحطّمه، بل تفتح أمامه الطريق ليُعلن بأكثر قوّة وعلى أوسع نطاق.
إن رب المجد يبقى مُقاوَمًا في شخصه وصليبه وإنجيله عبر الأجيال للأسف حتى ممن يحملون اسمه أحيانًا، والذين يظهرون كأبناء مملكته. لكن بقدر ما تزداد مقاومته يتجلّى بوضوح وسط مملكته، ويشرق بهاؤه على الجالسين في الظلمة. ما أعجب ما قاله القديس الذي قاوم الرب كثيرًا قبل قبوله الإيمان بفلسفته ودنس حياته، والذي كرّس كل طاقاته لحساب الملك المسيح عندما تعرّف عليه، فإنه يرى في المقاومين للكِتاب والهراطقة أنهم يدفعوننا بالأكثر إلى معرفة الأسرار، إن كنّا نعيش بتقوى، إذ يقول: لتلاحظوا أيها الإخوة المقدّسين فائدة الهراطقة، هذه التي حسب تدبير الله الذي يستخدم حتى هؤلاء الأشرار استخدامًا نافعًا. فبينما ترتد تدابيرهم إليهم لا يرتدّ إليهم الخير الذي يُخرجه الله منهم،
إذ يسمع الآباء أن ما ينبغي تقديمه لهم صار من القربان المخصّص لله يحجمون عن أخذه من أبنائهم، حتى وإن كانوا في عوْز شديد لضرورات الحياة. كما يقول: بأن الفرّيسيّين كانوا محبّين للمال (لو 6: 14) فتظاهروا بجمعه للعطاء للفقراء، حارمين الوالدين من عطايا أولادهم.
هذا من جانب ومن جانب آخر قدّموا في تقليدهم بعض الحرفيّات والشكليّات في العبادة والسلوك، لا هدف لها سوى حب الظهور بثوب التديّن دون الروح الداخلي الحيّ.
يدعوهم مرائين لأنهم يَظهرون كمُدافعين عن الحق وهم كاسِروه، يحملون صورة الغيرة على مجد الله وهم يهتمّون بما لذواتهم. يتقدّمون كمعلّمين وهم عميان في حاجة إلى من يعلّمهم. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: إن كان يُحسب أمرًا خطيرًا ألا يكون للأعمى قائد (يرشده)، فكم بالأكثر إن أراد الأعمى أن يقود غيره.
دعا السيّد المسيح الجميع، وفي رقّة قال لهم: اسمعوا وافهموا. إنه الطبيب الحكيم الذي يعرف متى يحتاج المريض إلى ضربات المشرط ليقتلع كل فساد، ومتى يستخدم الدُهن الطيِّب ليُلطِّف الجراحات، متى يجرح ومتى يضمِّد. لم يكن ممكنًا شفاء المعلّمين المرائين بالكلمات الطيّبة، فإن هذا يغطي على شرّهم في الداخل ليفسد الجسد كله، أمّا الشعب البسيط فلا يحتمل كلمة قاسية لئلا يتحطّم ويتعسَّر باليأس، وإنما يحتاج إلى كلمات رقيقة تسنده وترفعه إلى الرجاء. بهذا يملك الرب على القلوب، مستخدمًا الكلمة القاسية كما الرقيقة لينفتح له القلب. هكذا دعا المسيح له السلطان الجموع ليشرح لهم أمر الأيدي غير المغسولة، ليس دفاعًا عن تلاميذه، وإنما لأجل بنيانهم الروحي، ولكي لا يتعثّروا بسبب الشكوك التي يثيرها الكتبة والفرّيسيّون.
أراد المسيح له القدرة أن يمسك الجماهير البسيطة بيده ويدخل بهم إلى الحياة الداخليّة، ليُدركوا أن سرّ الحياة والقداسة لا يكمن في الأعمال الخارجيّة الظاهرة، وإنما في الحياة الداخليّة. إنه لم يتجاهل ما يدخل الفم تمامًا، لكنّه ليس هو الذي يُنجِّس، بل ما في داخل الإنسان والمُعلن خلال ما يخرج من الفم.
عندما تنجّس قلب الأبوين الأوّلين الداخلي اهتمّا لا بعلاج الداخل، إنّما بستر جسديهما في الخارج، كمن يُزيّن بيته المُنهار عِوض معالجة أساساته. هكذا اهتم قادة اليهود بغسل الأيدي قبل الطعام حتى لا يتنجّسوا، ولم يهتمّوا بما يصدر عن قلوبهم من نجاسات تظهر خلال كلماتهم المملوءة رياءً وإدانة.
وللمسيح المجد من الان وإلى ابد الآبدين آمين.