الراعي الصالح إنجيل يوحنا ص 10
في هذا المثل تظهر اليهودية كقطيع ، والسيد المسيح هو الراعي الصالح الذي يأتي من الباب المعين (خلال باب النبوات) إلى القطيع. والروح القدس يفتح له الباب، ويتجاوب القطيع الحقيقي معه، حيث تشفى أعينهم ويعاينوا الراعي. يخرج بهم الراعي عن حرفية الناموس وعن الارتداد وعدم الإيمان، بينما يرفض الحرفيون الراعي الصالح.
نرى في هذا المثل الآتي:
أ - السيد المسيح وليس الناموس هو باب القطيع، الباب الجديد .
ب - كل القيادات اليهودية الحرفية الرافضة للمسيح هم لصوص
ج - المسيح وحده هو المخلص، السيد، معطي ذاته
د - المسيح هو ذبيحة الحب يموت عن قطيعه
هـ - للراعي الصالح قطيع آخر من الأمم يضمه إلى المؤمنين من اليهود، ويقيم منهم جميعًا قطيعًا واحدًا هو كنيسة المسيح [16، 1 كو 13:12، أف 4:4-6]
و- يتفاعل هذا القطيع الواحد مع ذبيحة المسيح الفريدة وموته الاختياري
. أما عدم الإيمان فيعجز عن تقديم أي شيء سوى الارتباك والتجديف الشرير
الحق الحق أقول لكم إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف،
بل يطلع من موضعآخر،
فذاك سارق ولص
تلجأ الخراف إلى حظيرة الخراف ليلًا، غالبًا ما تكون ملاصقة لبيت الراعي. للحظيرة باب واحد يحرسه البواب. لهذا من أراد السرقة يلجأ إلى التسلل عن طريق الوثب من حائط الحظيرة.
يشبه السيد المسيح نفسه براعي الخراف المهتم بقطيعه، والكنيسة في العالم أشبه بمرعى، حيث تضم في داخلها الخراف المشتتة في العالم (يو ١١: ٥٢)، ليتحدوا معه كقطيعٍ مقدسٍ يرعاه الراعي القدوس، هذا الذي يحتضنه فيكون لهم سور نارٍ لحمايتهم (زك ٢: ٥). أما استخدام قطيع الخراف كرمزٍ لكنيسة المسيح، ذلك لما اتسمت به الخراف من وداعة وهدوء وتسليم بين يدي راعيها، والتصاقها ببعضها البعض.
قدم السيد المسيح هذا التشبيه، لأن الخراف تتسم بعجزها عن دفاعها عن النفس ضد أي هجوم، إنما تعتمد تمامًا على اهتمام راعيها وسهره على حمايتها. تعتمد أيضًا في طعامها وشرابها على الراعي الذي يتقدمها، فحتى في البلاد التي تتسم بغزارة الأمطار يحتاج القطيع إلى من يقوده إلى فترة طويلة إلى مراكز المياه لكي يشرب، ولا تبحث عنها الخراف بنفسها. وفي دخولها إلى الحظيرة لا تبدأ بالدخول حتى وإن لحق بها مخاطر من وحوش ضارية ما لم يقود الراعي خروفًا أو اثنين من الباب فتسير بقية الخراف وراءه أو وراءهما.
إن وجدنا هذه الشخصيات الثلاث أيها الأخوة القديسون، نجد من يليق بنا أن نحبهم، ومن يجب علينا أن نحتملهم، ومن يلزمنا الحذر منهم. فالراعي يُحب، والأجير يُحتمل، واللص يُحذر منه
لاحظوا سمات اللص؛ أولًا أنه لا يدخل علانية؛ ثانيًا لا يدخل حسب الكتب المقدسة، فهذا لا يعنيه، لا يدخل من الباب هنا أيضًا يشير إلى الذين جاءوا قبلًا والذين سيأتون بعده، ضد المسيح والمسحاء الكذبة، يهوذا وثيداس (أع ٥:٣٦) وكل من على شاكلتهم.
في قول السيد المسيح: إن الذي لا يدخل من الباب، المقصود بالباب هنا هو الكتب المقدسة، لأنها تدخل بنا إلى الله، وتفتح لنا المعرفة بإلهنا، وهي تحفظنا، ولا تترك الذئاب تدخل إلينا، لأنها بصورة باب، تغلق المدخل في وجه ذوي البدع، وتصيرنا في صيانة من خداعهم، ولا تهملنا حتى لا ننخدع. لأننا بالكتب نعرف الرعاة، والذين ليسوا برعاة، ولهذا قال السيد المسيح لليهود: فتشوا الكتب، لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهي التي تشهد لي (يو 5: 39). إنها تجلب موسى وتدعوه هو وكل الأنبياء شهودًا، إذ يقول: كل من يسمع الأنبياء يأتي إليّ وأيضًا لو صدقتم موسى تؤمنون بي حسنًا يقول: يتسلق (يصعد) وليس يدخل، فإن التسلق هو من عمل السارق الذي يضع في نيته أن يقفز فوق السور، يفعل ذلك وهو معرض للخطر.
لقد أعلنوا أنهم ليسوا عميانًا، ومع ذلك كان يمكنهم أن يروا فقط إن صاروا قطيع المسيح
من أين لهم أن يدعوا بأن لهم النور هؤلاء الذين يعملون كلصوصٍ ضد النهار؟ ذلك بسبب بطلانهم وكبريائهم وتشامخهم العضال، لذلك أضاف الرب يسوع تلك الكلمات التي فيها يقدم لنا نحن أيضًا دروسًا قيمة إن دخلنا بها إلى القلب. إذ يوجد كثيرون بحسب عادة الحياة يُدعون صالحين - رجال صالحين، نساء صالحات، أبرياء - لمن يراعون ما جاء في الناموس: يحترمون والديهم، ويمتنعون عن الزنا، ولا يقتلون ولا يسرقون، ولا يشهدون باطلًا ضد أحد، ويراعون كل متطلبات الناموس الأخرى. ومع هذا فهم غير مسيحيين، ويسألون بتشامخٍ مثل هؤلاء الناس: هل نحن أيضًا عميان؟
إنهم يعملون بلا هدف، ولا يدخلون من الباب الذي يقود إلى الحظيرة.
قد يقول الوثنيون: نحن نحيا بصلاح.
إن لم يدخلوا من الباب، أية إرادة صالحة هذه يمارسونها، ومع ذلك فهم متشامخون...؟
ليس لأحد رجاء حسن للحياة ما لم يعرف الحياة، أي المسيح، ويدخل الحظيرة من الباب
يوجد فلاسفة لهم مناقشات بارعة عن الفضائل والرذائل، يميزون بينها، ويقدمون تعريفات لها، وفي النهاية يقدمون تسلسلًا عقليًا دقيقًا، يملأون الكتب، ويحمون حكمتهم بأحاديث ثرثارة؛ هؤلاء يجسرون ويقولون للناس اتبعونا، انضموا إلى فرقتنا إن أردتم أن تعيشوا سعداء. لكنهم لا يدخلون من الباب؛ هؤلاء يريدون أن يحطموا ويذبحوا ويقتلوا.
هل يمكن للفريسي أن ينطق بالصالحات؟
الفريسي هو شوك، فكيف أجني من الشوك عنبًا (مت ٧: ١٦؛ ١٢: ٣٣)؟
لأنك يا رب تقول: ما يقولونه أعملوه، وأما ما يفعلوه فلا تفعلوه (مت ٢٣: ٣).
هل تأمرني أن أجمع عنبًا من الشوك عندما تقول: هل يجتنون من الشوك عنبا؟ يجيبك الرب: لست آمرك أن تجمع من الشوك عنبًا، بل أن تتطلع وتلاحظ حسنًا كما يحدث غالبَا عندما تتدلى الكرمة المرتفعة عن الأرض ألا تكون مشتبكة مع الأشواك. فإننا نجد أحيانا يا اخوتي كرمة مزروعة... يكون حولها سياج من الأشواك، تلقي بفروعها متشابكة بين الأشواك. والذي يريد أن يقتطف عنبًا لا يجنيه من الأشواك بل من الكرمة المتشابكة مع الأشواك.
بنفس الطريقة فإن الفريسيين مملوءون بالأشواك، لكنهم إذ يجلسون على كرسي موسى تحيط بهم الكرمة والعنب الذي هو الكلمات الصالحة، والوصايا الصالحة تتدلى منهم. لتقطف عنبًا دون أن يوخزك الشوك، عندما تقرأ: ما يقولوه اعملوه، وأما ما يفعلوه فلا تفعلوه. لكن الشوك يوخزك إن كنت تفعل ما يفعلونه. فلكي تجتني عنبًا دون أن يمسك بك الشوك ما يقولوه افعلوه، وأما ما يفعلونه فلا تفعلوه.
فإنني أيضًا لا أقول إنني كاملًا تمامًا، لكنني أقرع صدري، وأقول لله: ارحمني لكي لا أخطئ. لكنني أظن أنني أتكلم في حضرته بأنني لا أطلب شيئًا منكم بل أطلب خلاصكم، وأنتهر على الدوام خطايا اخوتي، وأحتمل ضيقات، وذهني يعذبني، ودومًا أوبخهم. نعم لا أكف عن حثهم. كل الذين يتذكرون ما أقوله هم شهود، كيف انتهر يا اخوتي من يخطئون بدون حسدٍ
وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف
راعي الخراف هو صاحب القطيع، يهتم بكل واحدٍ منهم، يدخل إليهم من الباب بكونه صاحب سلطان. يدخل لكي يعمل لحساب الكل. وكما يقول الله نفسه: أنا أرعى غنمي وأربضها يقول السيد الرب؛ وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح، وأبيد السمين القوي، وأرعاها بعدلٍ (حز ٣٤: ١٥-١٦).
لهذا يفتح البواب،والخراف تسمع صوته،
فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها.لأنها تعرف صوته
إذ يرسل الراعي الصالح خرافه ليس في الطريق الذي بلا ذئاب بل يؤكد لهم أنه يرسلهم وسط الذئاب(مت ١٠: ١٦)، لذلك يتقدمهم في الطريق حتى إذا ما هاجمتهم الذئاب إنما تهاجمه هو، فيحول الذئاب إلى حملان وديعة. لقد تقدم قطيعه في مرعى الصليب والآلام، حتى لا يخشى القطيع طريق الجلجثة، ولا يهابون الموت، ماداموا في رفقة المصلوب.
يعمل الرعاة خلاف ذلك إذ يمشون وراء الخراف، ولكن السيد المسيح يبين هنا أنه هو الذي يرشد جميع تابعيه إلى الحق.
وأما الغريب فلا تتبعه، بل تهرب منه،لأنها لا تعرف صوت الغرباء
القطيع غير العاقل يعرف صاحبه فيلتصق به، وإذ لا تعرف صوت الغرباء تهرب منهم. وكما قيل: الثور يعرف قانيه (إش ١: ٣).
هذا المثل قاله لهم يسوع، وأما هم فلم يفهموا ما هو الذي كان يكلمهم به
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه بهذه العبارة يفصل السيد المسيح بينه وبين المسحاء الكذبة، فإنه بكل وسيلة كان يفعل هذا.
أولًا: تعاليمه من الكتب المقدس التي تشهد له، أما المسحاء الكذبة فيجتذبون الناس بعيدًا عن كلمة الله.
ثانيًا: طاعة الخراف له، إذ يؤمنون به ليس فقط حين كان سالكًا على الأرض بل وحتى بعد موته وصعوده إلى السماء. أما المسحاء الكذبة فتتركهم الخراف كما حدث مع ثيداس ويهوذا إذ تشتت الذين آمنوا بهما (أع ٥: ٣٦).
ثالثًا: يعمل الكذبة كمتمردين ويسببوا ثورات، أما هو فعندما أرادوا أن يجعلوه ملكًا اختفى. وعندئذ سُئل إن كان يجوز أن تقدم الجزية لقيصر، أمرهم بدفعها، بل هو نفسه دفعها (مت ١٧: ٢٧).
رابعًا: جاء لخلاص الخراف، لكي تكون لهم حياة، ويكون لهم أفضل. أما الكذبة فيحرمونهم حتى من الحياة الزمنية، إذ يتركونهم في لحظات الخطر ويهربوا لينجوا.
لم يدرك اليهود ما عناه السيد المسيح بالمثل؛ لم يفهموا أن يسوع المسيح هو الراعي الصالح، ولا أن الأجراء هم الخدام الذين يطلبون ما لنفعهم الشخصي وليس ما هو لنفع القطيع، وأيضًا السراق واللصوص هم الذين يطلبون كرامتهم الشخصية، حتى وإن كان الثمن هلاك القطيع.
وللمسيح المجد من الأزل وإلى أبد الآبدين آمين
[/color]في هذا المثل تظهر اليهودية كقطيع ، والسيد المسيح هو الراعي الصالح الذي يأتي من الباب المعين (خلال باب النبوات) إلى القطيع. والروح القدس يفتح له الباب، ويتجاوب القطيع الحقيقي معه، حيث تشفى أعينهم ويعاينوا الراعي. يخرج بهم الراعي عن حرفية الناموس وعن الارتداد وعدم الإيمان، بينما يرفض الحرفيون الراعي الصالح.
نرى في هذا المثل الآتي:
أ - السيد المسيح وليس الناموس هو باب القطيع، الباب الجديد .
ب - كل القيادات اليهودية الحرفية الرافضة للمسيح هم لصوص
ج - المسيح وحده هو المخلص، السيد، معطي ذاته
د - المسيح هو ذبيحة الحب يموت عن قطيعه
هـ - للراعي الصالح قطيع آخر من الأمم يضمه إلى المؤمنين من اليهود، ويقيم منهم جميعًا قطيعًا واحدًا هو كنيسة المسيح [16، 1 كو 13:12، أف 4:4-6]
و- يتفاعل هذا القطيع الواحد مع ذبيحة المسيح الفريدة وموته الاختياري
. أما عدم الإيمان فيعجز عن تقديم أي شيء سوى الارتباك والتجديف الشرير
الحق الحق أقول لكم إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف،
بل يطلع من موضعآخر،
فذاك سارق ولص
تلجأ الخراف إلى حظيرة الخراف ليلًا، غالبًا ما تكون ملاصقة لبيت الراعي. للحظيرة باب واحد يحرسه البواب. لهذا من أراد السرقة يلجأ إلى التسلل عن طريق الوثب من حائط الحظيرة.
يشبه السيد المسيح نفسه براعي الخراف المهتم بقطيعه، والكنيسة في العالم أشبه بمرعى، حيث تضم في داخلها الخراف المشتتة في العالم (يو ١١: ٥٢)، ليتحدوا معه كقطيعٍ مقدسٍ يرعاه الراعي القدوس، هذا الذي يحتضنه فيكون لهم سور نارٍ لحمايتهم (زك ٢: ٥). أما استخدام قطيع الخراف كرمزٍ لكنيسة المسيح، ذلك لما اتسمت به الخراف من وداعة وهدوء وتسليم بين يدي راعيها، والتصاقها ببعضها البعض.
قدم السيد المسيح هذا التشبيه، لأن الخراف تتسم بعجزها عن دفاعها عن النفس ضد أي هجوم، إنما تعتمد تمامًا على اهتمام راعيها وسهره على حمايتها. تعتمد أيضًا في طعامها وشرابها على الراعي الذي يتقدمها، فحتى في البلاد التي تتسم بغزارة الأمطار يحتاج القطيع إلى من يقوده إلى فترة طويلة إلى مراكز المياه لكي يشرب، ولا تبحث عنها الخراف بنفسها. وفي دخولها إلى الحظيرة لا تبدأ بالدخول حتى وإن لحق بها مخاطر من وحوش ضارية ما لم يقود الراعي خروفًا أو اثنين من الباب فتسير بقية الخراف وراءه أو وراءهما.
إن وجدنا هذه الشخصيات الثلاث أيها الأخوة القديسون، نجد من يليق بنا أن نحبهم، ومن يجب علينا أن نحتملهم، ومن يلزمنا الحذر منهم. فالراعي يُحب، والأجير يُحتمل، واللص يُحذر منه
لاحظوا سمات اللص؛ أولًا أنه لا يدخل علانية؛ ثانيًا لا يدخل حسب الكتب المقدسة، فهذا لا يعنيه، لا يدخل من الباب هنا أيضًا يشير إلى الذين جاءوا قبلًا والذين سيأتون بعده، ضد المسيح والمسحاء الكذبة، يهوذا وثيداس (أع ٥:٣٦) وكل من على شاكلتهم.
في قول السيد المسيح: إن الذي لا يدخل من الباب، المقصود بالباب هنا هو الكتب المقدسة، لأنها تدخل بنا إلى الله، وتفتح لنا المعرفة بإلهنا، وهي تحفظنا، ولا تترك الذئاب تدخل إلينا، لأنها بصورة باب، تغلق المدخل في وجه ذوي البدع، وتصيرنا في صيانة من خداعهم، ولا تهملنا حتى لا ننخدع. لأننا بالكتب نعرف الرعاة، والذين ليسوا برعاة، ولهذا قال السيد المسيح لليهود: فتشوا الكتب، لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهي التي تشهد لي (يو 5: 39). إنها تجلب موسى وتدعوه هو وكل الأنبياء شهودًا، إذ يقول: كل من يسمع الأنبياء يأتي إليّ وأيضًا لو صدقتم موسى تؤمنون بي حسنًا يقول: يتسلق (يصعد) وليس يدخل، فإن التسلق هو من عمل السارق الذي يضع في نيته أن يقفز فوق السور، يفعل ذلك وهو معرض للخطر.
لقد أعلنوا أنهم ليسوا عميانًا، ومع ذلك كان يمكنهم أن يروا فقط إن صاروا قطيع المسيح
من أين لهم أن يدعوا بأن لهم النور هؤلاء الذين يعملون كلصوصٍ ضد النهار؟ ذلك بسبب بطلانهم وكبريائهم وتشامخهم العضال، لذلك أضاف الرب يسوع تلك الكلمات التي فيها يقدم لنا نحن أيضًا دروسًا قيمة إن دخلنا بها إلى القلب. إذ يوجد كثيرون بحسب عادة الحياة يُدعون صالحين - رجال صالحين، نساء صالحات، أبرياء - لمن يراعون ما جاء في الناموس: يحترمون والديهم، ويمتنعون عن الزنا، ولا يقتلون ولا يسرقون، ولا يشهدون باطلًا ضد أحد، ويراعون كل متطلبات الناموس الأخرى. ومع هذا فهم غير مسيحيين، ويسألون بتشامخٍ مثل هؤلاء الناس: هل نحن أيضًا عميان؟
إنهم يعملون بلا هدف، ولا يدخلون من الباب الذي يقود إلى الحظيرة.
قد يقول الوثنيون: نحن نحيا بصلاح.
إن لم يدخلوا من الباب، أية إرادة صالحة هذه يمارسونها، ومع ذلك فهم متشامخون...؟
ليس لأحد رجاء حسن للحياة ما لم يعرف الحياة، أي المسيح، ويدخل الحظيرة من الباب
يوجد فلاسفة لهم مناقشات بارعة عن الفضائل والرذائل، يميزون بينها، ويقدمون تعريفات لها، وفي النهاية يقدمون تسلسلًا عقليًا دقيقًا، يملأون الكتب، ويحمون حكمتهم بأحاديث ثرثارة؛ هؤلاء يجسرون ويقولون للناس اتبعونا، انضموا إلى فرقتنا إن أردتم أن تعيشوا سعداء. لكنهم لا يدخلون من الباب؛ هؤلاء يريدون أن يحطموا ويذبحوا ويقتلوا.
هل يمكن للفريسي أن ينطق بالصالحات؟
الفريسي هو شوك، فكيف أجني من الشوك عنبًا (مت ٧: ١٦؛ ١٢: ٣٣)؟
لأنك يا رب تقول: ما يقولونه أعملوه، وأما ما يفعلوه فلا تفعلوه (مت ٢٣: ٣).
هل تأمرني أن أجمع عنبًا من الشوك عندما تقول: هل يجتنون من الشوك عنبا؟ يجيبك الرب: لست آمرك أن تجمع من الشوك عنبًا، بل أن تتطلع وتلاحظ حسنًا كما يحدث غالبَا عندما تتدلى الكرمة المرتفعة عن الأرض ألا تكون مشتبكة مع الأشواك. فإننا نجد أحيانا يا اخوتي كرمة مزروعة... يكون حولها سياج من الأشواك، تلقي بفروعها متشابكة بين الأشواك. والذي يريد أن يقتطف عنبًا لا يجنيه من الأشواك بل من الكرمة المتشابكة مع الأشواك.
بنفس الطريقة فإن الفريسيين مملوءون بالأشواك، لكنهم إذ يجلسون على كرسي موسى تحيط بهم الكرمة والعنب الذي هو الكلمات الصالحة، والوصايا الصالحة تتدلى منهم. لتقطف عنبًا دون أن يوخزك الشوك، عندما تقرأ: ما يقولوه اعملوه، وأما ما يفعلوه فلا تفعلوه. لكن الشوك يوخزك إن كنت تفعل ما يفعلونه. فلكي تجتني عنبًا دون أن يمسك بك الشوك ما يقولوه افعلوه، وأما ما يفعلونه فلا تفعلوه.
فإنني أيضًا لا أقول إنني كاملًا تمامًا، لكنني أقرع صدري، وأقول لله: ارحمني لكي لا أخطئ. لكنني أظن أنني أتكلم في حضرته بأنني لا أطلب شيئًا منكم بل أطلب خلاصكم، وأنتهر على الدوام خطايا اخوتي، وأحتمل ضيقات، وذهني يعذبني، ودومًا أوبخهم. نعم لا أكف عن حثهم. كل الذين يتذكرون ما أقوله هم شهود، كيف انتهر يا اخوتي من يخطئون بدون حسدٍ
وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف
راعي الخراف هو صاحب القطيع، يهتم بكل واحدٍ منهم، يدخل إليهم من الباب بكونه صاحب سلطان. يدخل لكي يعمل لحساب الكل. وكما يقول الله نفسه: أنا أرعى غنمي وأربضها يقول السيد الرب؛ وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح، وأبيد السمين القوي، وأرعاها بعدلٍ (حز ٣٤: ١٥-١٦).
لهذا يفتح البواب،والخراف تسمع صوته،
فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها.لأنها تعرف صوته
إذ يرسل الراعي الصالح خرافه ليس في الطريق الذي بلا ذئاب بل يؤكد لهم أنه يرسلهم وسط الذئاب(مت ١٠: ١٦)، لذلك يتقدمهم في الطريق حتى إذا ما هاجمتهم الذئاب إنما تهاجمه هو، فيحول الذئاب إلى حملان وديعة. لقد تقدم قطيعه في مرعى الصليب والآلام، حتى لا يخشى القطيع طريق الجلجثة، ولا يهابون الموت، ماداموا في رفقة المصلوب.
يعمل الرعاة خلاف ذلك إذ يمشون وراء الخراف، ولكن السيد المسيح يبين هنا أنه هو الذي يرشد جميع تابعيه إلى الحق.
وأما الغريب فلا تتبعه، بل تهرب منه،لأنها لا تعرف صوت الغرباء
القطيع غير العاقل يعرف صاحبه فيلتصق به، وإذ لا تعرف صوت الغرباء تهرب منهم. وكما قيل: الثور يعرف قانيه (إش ١: ٣).
هذا المثل قاله لهم يسوع، وأما هم فلم يفهموا ما هو الذي كان يكلمهم به
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه بهذه العبارة يفصل السيد المسيح بينه وبين المسحاء الكذبة، فإنه بكل وسيلة كان يفعل هذا.
أولًا: تعاليمه من الكتب المقدس التي تشهد له، أما المسحاء الكذبة فيجتذبون الناس بعيدًا عن كلمة الله.
ثانيًا: طاعة الخراف له، إذ يؤمنون به ليس فقط حين كان سالكًا على الأرض بل وحتى بعد موته وصعوده إلى السماء. أما المسحاء الكذبة فتتركهم الخراف كما حدث مع ثيداس ويهوذا إذ تشتت الذين آمنوا بهما (أع ٥: ٣٦).
ثالثًا: يعمل الكذبة كمتمردين ويسببوا ثورات، أما هو فعندما أرادوا أن يجعلوه ملكًا اختفى. وعندئذ سُئل إن كان يجوز أن تقدم الجزية لقيصر، أمرهم بدفعها، بل هو نفسه دفعها (مت ١٧: ٢٧).
رابعًا: جاء لخلاص الخراف، لكي تكون لهم حياة، ويكون لهم أفضل. أما الكذبة فيحرمونهم حتى من الحياة الزمنية، إذ يتركونهم في لحظات الخطر ويهربوا لينجوا.
لم يدرك اليهود ما عناه السيد المسيح بالمثل؛ لم يفهموا أن يسوع المسيح هو الراعي الصالح، ولا أن الأجراء هم الخدام الذين يطلبون ما لنفعهم الشخصي وليس ما هو لنفع القطيع، وأيضًا السراق واللصوص هم الذين يطلبون كرامتهم الشخصية، حتى وإن كان الثمن هلاك القطيع.
وللمسيح المجد من الأزل وإلى أبد الآبدين آمين