كل سنة وأنتِ متفوقة ياهبة

بقلم فاطمة ناعوت

بقلم فاطمة ناعوت
الزهرةُ الجميلة (هبة محمد)، البنتُ الرياضيةُ الواعدةُ التى رفضت معلمةٌ عنصريةٌ تكريمَها لأنها لا تضع الحجاب، ربما لا تعلمُ أن الحزنَ الذى يكسو عينيها الجميلتين، ليس فقط يكسو قلوبَ المصريين جميعاً، بل هو أيضاً -الحزن- قد علّمنا درساً عميقاً ووضعنا فى خانة التأمُّل الممزوج بالدهشة، والسؤال.
نتساءلُ: أىُّ تركيبة نفسية شكّلت وجدان هذه السيدة: «كإنسان»؟ ثم أىُّ تركيبة ثقافية شكّلت وعى هذه السيدة: «كامرأة»؟ ثم أىُّ تركيبة ذهنية شكّلها عقل هذه السيدة: «كمعلّمة»؟
فأما كونها: «إنساناً»، فذاك يعنى أن فطرتها لا بد أن تخبرها أن البشر سواءٌ متساوون أمام الطبيعة، وأمام الله. فاللهُ يحبُّنا جميعاً بالقدر ذاته، لهذا يُشرقُ شمسَه على الجميع، ويمنحُ أكسجينَه للجميع. وإن أتينا ما يُغضبُه؛ لا يكرهنا، بل يكره أفعالَنا. ويظلُّ ينتظر إيابَنا إليه. لأن غيابَ إنسان واحد عن فردوسه، أكبرُ عنده من الدنيا وما فيها.
وأمّا كونها: «امرأةً»، فيعنى أن تُعلى من شأن هذا الكائن الفريد، المرأة. فترفض أن يضعها المجتمعُ فى مرتبة أقلّ مما تستحق. وبالتالى مستحيلٌ أن تكون «هى» عوناً لمجتمع ظالم رجعىّ متخلّف، على امرأة مثلها.
وأما كونها: «معلّمةً»، فتلك ثالثةُ الأثافى. فمعلّمةٌ يعنى أن عقلها مهيأٌ لضَخّ العلم والتنوير فى عقول النشء. أن رسالتها فى الحياة هى تربيةُ أولادنا على نبذ الطائفية والعنصرية، وبذر احترام الآخر، مهما اختلف عنّا فكريًّا وطبقيًّا وعَقَديًّا. فأين تقفُ تلك السيدةُ من هذا المثلث: الإنسانية، النسوية، التعليم؟!
حينما تهجّمت سيدةٌ مريضةٌ نفسيًّا وعقليًّا على فتاة فى المترو وقصّت شَعرها، انزعج المجتمعُ برهةً لهَول الجريمة. لكن البعض قال فى الأخير، «متطرفة»! فكونها منتقبة ترفض أن ترى غيرها من النساء غير منتقب. فيما سخر البعض الآخر قائلاً: «مجرد غيرة حريمى من شعر البنت». لكن القضية لم تنل أكثر من يومين ثم نُسيت. ولكن حينما ارتكبت معلّمة نفس الجريمة، انقلب الرأى العام ولم يهدأ، إلا بعدما نالت المعلمة عقابها. لأن المجتمع لا يسامح فى أخطاء العلماء، بافتراض أن كلَّ معلّم، هو عالمٌ بشكل أو بآخر.
لذلك أطالبُ بالتحقيق مع هذه السيدة (التى أنزعُ عنها لقب معلّمة، إذ لا حيلة لنا فى انعدام جواز رفع لقبىْ: إنسان، وامرأة). ثم أشكر حزب «الدستور» الذى كرّم هذه الصَّبيةَ الواعدة، وأقول لها: مصرُ فخورةٌ بك يا هبة، ويوماً ما ستفخرين بأنكِ ابنةٌ لهذا الوطن الطيب، حينما يتحرر من الجهل بإذن الله، وتعود مصرُ كما عرفناها نحن، وربما لم تدركيها أنت بعمرك الصغير. مصرُ الراقية التعددية الليبرالية المحترمة التى تحتضن أبناءها جميعاً دون النظر إلى عقائدهم وطبقاتهم وملابسهم وألوان وجوههم. افرحى بجمالك وذكائك ومصريتك يا حبيبتى، واجعلى من هذه التجربة دافعاً لمزيد من التفوّق والترقّى ونبذ العنصرية. سامحى جهل الجهلاء، وامسحى عن عينيك الجميلتين هذه النظرة الحزينة. وكلّ سنة وأنتِ متفوقة يا هبة.
manq: من صفحة فاطمة ناعوت على الفيس بوك