صفحة 1 من 1

في أصل التنازع والصراع على المناصب والمواقع والشارات

مرسل: الخميس إبريل 03, 2014 6:26 am
بواسطة بنت السريان
في أصل التنازع والصراع على المناصب والمواقع والشارات
8 مارس 2014مقالاتد. برهان غليون

booorhaaan

لا شيء أصابنا بالأذى كمجتمع ووطن، خلال السنوات الماضية، أكثر من الصراع على المناصب والمواقع والامتيازات، حتى غاب عن ذهننا جميعا معنى الحق والواجب والمسؤولية والقانون، وأصبحت الحياة العامة ساحة للتنازع وتقاسم المصالح وغاب المجتمع والشعب والجمهور والرأي العام عن كل تفكير أو اعتبار. وهانحن نواجه المحنة ذاتها على مستوى المعارضة كما واجهنها على مستوى النظام خلال العقود الطويلة الماضية والتي جعلت من قانون حياتنا كمجتمع شبيها بقانون الغاب.

لكننا ونحن لا نكف عن الشكوى من مصابنا هذا، ومن “نخب” تتصرف كالوحوش المفترسة، نادرا ما حاولنا فك هذا اللغز الكبير الذي ينخر جذور حياتنا السياسية والأخلاقية، وينفي أي شعور بالمسؤولية عند قاد “تنا”، ويقوض أسس وجودنا الجمعي، الانساني والوطني، ويجعلنا مجتمعا فاشلا وغير قابل للرد بصورة جماعية منظمة وناجعة على تحديات البقاء.

وما حصل ويحصل في مؤسساتنا “الثورية” المدنية والعسكرية، والذي أدى إلى التنازع والتضارب بالأيدي، يعيد طرح هذا السؤال بشكل أكثر حدية وقوة.
يكمن وراء هذا اللغز مرض عضال كان دائما اللغم الذي قوض كل المدنيات والمجتمعات الانسانية، وجعلت جميع الثقافات والديانات من أول أهدافها ومحور جهدها معالجته، اسمه الأنانية والتعلق بالمصلحة الخاصة والشخصية، وبالشخصنة ذاتها، ما يعني غياب أي معنى وإدراك ومفهوم للمصلحة العامة، أي لمصالح الآخرين جميعا.

والمصلحة الخاصة هو كل ما يخدمني ويخدم أقربائي واتباعي والموالين لي، والمصلحة العامة هو كل ما يخدم البلد والشعب الذي أنا جزء منه ويحافظ على وحدته وسلامته ويعظم من فرص تقدمه وازدهاره.

لا يحتاج التعلق بالمصلحة الشخصية والخاصة إلى ثقافة معينة وتعليم وتدريب. إنه يولد في الانسان والحيوان بالطبيعة، وينغرس في كل عضوية حية، من باب الحفاظ على الوجود والدفاع عن النفس. هو ثمرة غريزة البقاء وعصبية الولاء.

إدراك المصلحة العامة واستبطانها والتصرف بحسبها يحتاج بالمقابل إلى تربية، والتربية تستند إلى ثقافة، هي بالتعريف تجاوز الطبيعة نحو عالم المكتسب الرمزي والمعنوي. وهو يفترض أيضا أن يتمثل الفرد أنه جزء من جماعة، وأن حياته وبقاءه مرتبط بهذه الجماعة، وأن الحفاظ على الجماعة وهنا الشعب والبلد، يفترض أن يقبل بأن كل شيء ليس مباحا حسب ما تطلبه شهواته، ولا بد أن يخضع تحقيق رغباته لحدود وقيود ومعايير حتى تتفق مع تحقيق الآخرين أيضا رغباتهم، وبالتالي أن يتخلى عن مبدأ الحصول على كل ما يمكن أن يحصل عليه بالقوة والحيلة والخديعة، والقبول بمبدأ ارضاء حاجاته ضمن القواعد والأصول التي يسنها المجتمع. وهذا هو شرط ضمان وجود الجماعة والتفاهم بين اعضائها والتعاون معهم، اي بقاء البيئة الاجتماعية، الحاضنة له وللجميع، وكذلك البيئة الطبيعية الحاضنة للجماعة.
وهذا هو منبع الأعراف والأخلاق والقانون.

هذا يفترض أيضا أن مطالب الفرد ليست تلبية بأي ثمن للحاجات وإنما تلبية بكيفية معينة وبثمن مقبول، أي تلبية اجتماعية تأخذ بالاعتبار الكثير من المعايير الذوقية والأخلاقية والقانونية. وهذا ما يميز حياة المدنية التي يعرفها المجتمع الانساني عن حياة الهمجية التي تسم مجتمع الحيوان.

لكن تأهيل الفرد للسلوك بحسب معايير المدنية ليس مسألة تربية أسرية أو مدرسية فحسب، ولكنه مرتبط بشكل وثيق برؤية معينة للمجتمع وللنظام الاجتماعي. وهو يشكل جزءا من خيار سياسي – ديمقراطي – يتناقض تماما مع نظام “مجتمع الغابة” القائم على سيطرة عصبة أو عصبية تتحكم فيها روح الشهوة والغريزة، ولا ترى في المجتمع والدولة سوى حقل صيد يفترس فيه القوى الضعيف، ولا تنظر إلى كل ما يحيط بها من بشر أو شجر إلا على أنها عوائق وحواجز أمام تحقيق رغباتها، ولا هم لها سوى السعي بأبسط الوسائل وأسرعها للتخلص من وجود هذه العوائق وتغييبها بأي سبيل.

لذلك كانت محاربة الأنانية والسعي للتغلب عليها الموضوع الرئيس للأخلاق منذ بدء التاريخ، وكان تأسيس روح الاخوة والمودة والتسامح والتضامن والتكافل الاجتماعي والانساني مركز الجهد الأول والغاية الأكبر للرسالات الدينية في كل الحضارات. وهم كذلك جوهر العمل على الذات لدى كل فرد للارتقاء بها إلى مستوى الحياة الأخلاقية والنبل.

وما نشاهده في بلدنا المنكوب من نزاعات وصراعات وحشية على تقاسم الموارد والمصالح العامة من قبل أفراد وجماعات لا يردعها عن اتباع عرائزها لا عقل ولا أخلاق، هو التعبير الأمثل عن انهيار صرح المدنية، وضياع أي فكرة جامعة، دينية كانت أم وطنية، في مجتمعاتنا، والسقوط في الهمجية الطبيعية التي لا قانون يحكم سلوك الأفراد فيها سوى قانون الأنانية وافتراس القوي للضعيف.

هذا ليس ثمرة للحرب الطويلة التي عشناها في السنوات الثلاث الماضية فحسب، ولكنه النتيجة النهائية لعملية تدمير منهجي قامت به عصبة مارقة ومفترسة ولا تزال تقوم به منذ عقود، انقضت على الدولة وهي غريبة عن منطقها، ولا أمل لها بالبقاء والنماء إلا بتقويض أسس المدنية والثقافة والأخلاق التي ارتكز عليها بقاء المجتمع ووحدته عبر التاريخ، وتفخيخه ثم تفجيره من الداخل للإنقضاض على الدولة وشقها وتحويلها إلى أداة للسيطرة ومتراس للممانعة والمقاومة ضد المجتمع والشعب والعالم أجمع.

Re: في أصل التنازع والصراع على المناصب والمواقع والشارات

مرسل: الخميس إبريل 03, 2014 6:29 am
بواسطة بنت السريان
موضوع جدير بالقراءة من أجل الثقافة

بنت السريان