بطاقة شرف . بقلم : فريد توما مراد
مرسل: الثلاثاء سبتمبر 24, 2013 11:40 am
بطاقة شرف .

عند مدخل باب الكنيسة ، أستوقفه أحّد أعضاء المجلس الملي
قائلاً : ألديك بطاقة شرف ؟
- لا .. وهل يحتاج الدخول إلى بيت الله لبطاقة شرف؟ أجاب صاحبنا
وعلامات الدهشة على وجهه .
- بالتأكيد لا ..! ردَّ عليه عضو المجلس الملّي الموَّكل بتنظيم الحفل
مع بعض الأفراد الآخرين.
حدث ذلك في إحدى صباحات يوم السبت المقرَّر فيه تقديس
الكنيسة العامرة في إحدى ضواحي مدينة ستوكهولم ، عندما بدأت
الناس تتقاطر أفراداً وجماعات لحضور الصلاة ، والمشاركة بالإحتفال
المقدَّس ، التقليدي والمتَّبع منذ القِدم ، لمثل هذا اليوم المبارك والتاريخي
في عمر الكنيسة .
تابع عضو مجلس الملي كلامه وقال : كما تعرف ياأخي نحن اليوم قد
قسَّمنا مقاعد الكنيسة إلى ثلاثة أجزاء ، وهي كالتالي ( مشيراً بيده ) :
-الصفوف الأماميّة ، وقيمتها من عشرة ألآف كرون ، وما فوق .
- الصفوف المتوسِّطة ، وقيمتها من ألف كرون ، وما فوق .
- الصفوف الخلفيّة ، وهي صفوف حرّة للعامة ، وأقصد للذين يريدون أن يتبرَّعوا ، أم لا ...!!
ولهذا ياأخي كنّا قد أرسلنا بطاقات شرف للمتبرعين مسبقاً ، ولكن لازال
لدينا بعض الأماكن الخالية ، من فئة العشرة آلاف ومافوق ، فهل ترغب
بشرف الجلوس هناك ؟
قد تكون روح الفكاهة التي يتمتَّع بها صديقنا ، ورحابة صدره ، سبباً في
عدم إكتراثه ، فهو من النوع الذي تستطيع التعامل معه بعفويّة تامة ، وأريحيّة خالصة
هذه العوامل التي تحبب الناس به ، وتقرِّبهم إليه بسهولة دون تحفّظ أو تعقيد ، لهذا
عندما كلّمه عضو مجلس الملّي بتلك الطريقة ، لم يأخذها صديقنا بمحمل الجد ، وأعتبرها
مزحة صباحيّة عابرة .. فأجاب ومن دون مبالاة وقال :
(مافي مشكلة أبداً ) وإبتسامة عريضة ترتسم على شفتيه .
على مقربة منهم ، كان أثنان من المسئولين قد أستوقفوا عجوزاً في حوالي
الثمانين من عمره ، وكانت علامات الإنزعاج بادية على محيّاه ، وكان
هذا الكلام يدور بينهم :
- ياعم ، نعتزر منك ، لأنك لاتستطيع الجلوس هناك ..!
- ولماذا لاأستطيع ؟! وها أنا أرى أخي جالساً ، وبجانبه أماكن خالية..
- أخاك يحمل بطاقة شرف .
- بطاقة ماذا ؟ ومن أين يحصلون عليها ؟
- من عندنا ..ياعم .. ولكن لكي تحصل عليها يجب أن تتبرَّع للكنيسة ..
- لقد تبرّعت الآن عند مدخل الباب ألف كرون سويدي ..
- ولكن هذا لايكفي ياعم .. لكي تستطيع أن تجلس في المقاعد الأماميّة
بجانب أخاك ، عليك أن تتبرّع على الأقل بعشرة آلاف كرون وما فوق
ولكن يحق لك الجلوس هناك في الوسط ، لأنها مخصصة للذين تبرعوا
بهذا المقدار ، وما فوق .
تركهم العجوز وهو يهز رأسه يميناً وشمالاً ، ضارباً كفّاً بكف ، متمتماً
بكلام غير مفهوم ، سوى بعض الكلمات المتقطِّعة مثل : ( عيب عليكن.... مو تستحوا..!!!)
ليذهب ويجلس حيث أشاروا له .
نعود إلى صديقنا ، وعضو المجلس الملي اللذين توقفا عن الكلام ، وراحا
يستمعان إلى الحديث الذي كان يدور بين الشابين والعجوز .
وفجأة أنتبه صديقنا إلى عضو المجلس الملّي الذي أخذ دفتر الأيصالات
في يده اليسرى والقلم في اليد اليمنى ، ليقول له : بإسم من تريد أن أسجِّل
مبلغ العشرة آلاف ياأخي ؟
كان الكاهن في هذه الأثناء يقول : السلام لجميعكم ... فيرد عليه الشمامسة:
ومع روحك .
ماذا قلت ياأخي ؟ بإسم من تحب أن أسجِّل المبلغ ، كرر عضو المجلس
كلامه ، مخاطباً صديقنا ، الذي ماأن سمع ( مبلغ عشرة آلاف ) وكأنّه
أستفاق من سكرته ... عشرة آلاف ؟ على أي عشرة آلاف تتكلَّم ؟
ومن قال لك سأتبرَّع مبلغ عشرة آلاف ؟ ومن أين لي هذا المبلغ لكي أتبرَّعه ؟ .
- ولكنك ياأخي عندما شرحت لك الموقف ، وقلت لك المقاعد الأماميّة
تسعيرتهم من عشرة آلاف وما فوق ، أجبتَ وقلت : مافي مشكلة أبداً .
- هذا صحيح ..! ولكن صدّقني ياأخي العزيز أعتقدتك تمزح ..!
ولكن إذا كان الأمر جاداً ، على ماأذكر أنك قلت لي في سياق الحديث ،
بأنَّ الصفوف الخلفيّة هي حرّة لعامة الناس ، لهذا دعني ياعزيزي أجلس
هناك في المؤَّخرة وأنا مرتاح ، لأن السيد المسيح له المجد قال :
( أحترزوا من أن تصنعوا برَّكم قدام الناس لكي ينظروكم ، وإلاَّ فليس لكم أجر
عند أبيكم في السموات ، فمتى صنعت صدقة فلا تضرب قدامك بالبوق كما يفعل
المراؤون في المجامع وفي الأزقّة لكي يمجّدهم الناس ، إلى آخر الآية ........)
وقال أيضاً :
(الأولون آخرون ، والآخرون أولون )
وتكلّم أيضاً عن فلس الأرملة ..ألعلَّك لاتدرك ذلك ياأخي ؟!
لهذا أؤكِّد لكَ مرّة أخرى وأقول : دعني أجلس في المؤخِّرة...
وأعتقد لستُ بحاجة في بيت الله إلى هذه البطاقة التي تسمُّونها
(بطاقة شرف) ، فإذا لايشرِّفني ويكرِّمني الله ، لايشرِّفني ويكرِّمني بشر .
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد
[/size]عند مدخل باب الكنيسة ، أستوقفه أحّد أعضاء المجلس الملي
قائلاً : ألديك بطاقة شرف ؟
- لا .. وهل يحتاج الدخول إلى بيت الله لبطاقة شرف؟ أجاب صاحبنا
وعلامات الدهشة على وجهه .
- بالتأكيد لا ..! ردَّ عليه عضو المجلس الملّي الموَّكل بتنظيم الحفل
مع بعض الأفراد الآخرين.
حدث ذلك في إحدى صباحات يوم السبت المقرَّر فيه تقديس
الكنيسة العامرة في إحدى ضواحي مدينة ستوكهولم ، عندما بدأت
الناس تتقاطر أفراداً وجماعات لحضور الصلاة ، والمشاركة بالإحتفال
المقدَّس ، التقليدي والمتَّبع منذ القِدم ، لمثل هذا اليوم المبارك والتاريخي
في عمر الكنيسة .
تابع عضو مجلس الملي كلامه وقال : كما تعرف ياأخي نحن اليوم قد
قسَّمنا مقاعد الكنيسة إلى ثلاثة أجزاء ، وهي كالتالي ( مشيراً بيده ) :
-الصفوف الأماميّة ، وقيمتها من عشرة ألآف كرون ، وما فوق .
- الصفوف المتوسِّطة ، وقيمتها من ألف كرون ، وما فوق .
- الصفوف الخلفيّة ، وهي صفوف حرّة للعامة ، وأقصد للذين يريدون أن يتبرَّعوا ، أم لا ...!!
ولهذا ياأخي كنّا قد أرسلنا بطاقات شرف للمتبرعين مسبقاً ، ولكن لازال
لدينا بعض الأماكن الخالية ، من فئة العشرة آلاف ومافوق ، فهل ترغب
بشرف الجلوس هناك ؟
قد تكون روح الفكاهة التي يتمتَّع بها صديقنا ، ورحابة صدره ، سبباً في
عدم إكتراثه ، فهو من النوع الذي تستطيع التعامل معه بعفويّة تامة ، وأريحيّة خالصة
هذه العوامل التي تحبب الناس به ، وتقرِّبهم إليه بسهولة دون تحفّظ أو تعقيد ، لهذا
عندما كلّمه عضو مجلس الملّي بتلك الطريقة ، لم يأخذها صديقنا بمحمل الجد ، وأعتبرها
مزحة صباحيّة عابرة .. فأجاب ومن دون مبالاة وقال :
(مافي مشكلة أبداً ) وإبتسامة عريضة ترتسم على شفتيه .
على مقربة منهم ، كان أثنان من المسئولين قد أستوقفوا عجوزاً في حوالي
الثمانين من عمره ، وكانت علامات الإنزعاج بادية على محيّاه ، وكان
هذا الكلام يدور بينهم :
- ياعم ، نعتزر منك ، لأنك لاتستطيع الجلوس هناك ..!
- ولماذا لاأستطيع ؟! وها أنا أرى أخي جالساً ، وبجانبه أماكن خالية..
- أخاك يحمل بطاقة شرف .
- بطاقة ماذا ؟ ومن أين يحصلون عليها ؟
- من عندنا ..ياعم .. ولكن لكي تحصل عليها يجب أن تتبرَّع للكنيسة ..
- لقد تبرّعت الآن عند مدخل الباب ألف كرون سويدي ..
- ولكن هذا لايكفي ياعم .. لكي تستطيع أن تجلس في المقاعد الأماميّة
بجانب أخاك ، عليك أن تتبرّع على الأقل بعشرة آلاف كرون وما فوق
ولكن يحق لك الجلوس هناك في الوسط ، لأنها مخصصة للذين تبرعوا
بهذا المقدار ، وما فوق .
تركهم العجوز وهو يهز رأسه يميناً وشمالاً ، ضارباً كفّاً بكف ، متمتماً
بكلام غير مفهوم ، سوى بعض الكلمات المتقطِّعة مثل : ( عيب عليكن.... مو تستحوا..!!!)
ليذهب ويجلس حيث أشاروا له .
نعود إلى صديقنا ، وعضو المجلس الملي اللذين توقفا عن الكلام ، وراحا
يستمعان إلى الحديث الذي كان يدور بين الشابين والعجوز .
وفجأة أنتبه صديقنا إلى عضو المجلس الملّي الذي أخذ دفتر الأيصالات
في يده اليسرى والقلم في اليد اليمنى ، ليقول له : بإسم من تريد أن أسجِّل
مبلغ العشرة آلاف ياأخي ؟
كان الكاهن في هذه الأثناء يقول : السلام لجميعكم ... فيرد عليه الشمامسة:
ومع روحك .
ماذا قلت ياأخي ؟ بإسم من تحب أن أسجِّل المبلغ ، كرر عضو المجلس
كلامه ، مخاطباً صديقنا ، الذي ماأن سمع ( مبلغ عشرة آلاف ) وكأنّه
أستفاق من سكرته ... عشرة آلاف ؟ على أي عشرة آلاف تتكلَّم ؟
ومن قال لك سأتبرَّع مبلغ عشرة آلاف ؟ ومن أين لي هذا المبلغ لكي أتبرَّعه ؟ .
- ولكنك ياأخي عندما شرحت لك الموقف ، وقلت لك المقاعد الأماميّة
تسعيرتهم من عشرة آلاف وما فوق ، أجبتَ وقلت : مافي مشكلة أبداً .
- هذا صحيح ..! ولكن صدّقني ياأخي العزيز أعتقدتك تمزح ..!
ولكن إذا كان الأمر جاداً ، على ماأذكر أنك قلت لي في سياق الحديث ،
بأنَّ الصفوف الخلفيّة هي حرّة لعامة الناس ، لهذا دعني ياعزيزي أجلس
هناك في المؤَّخرة وأنا مرتاح ، لأن السيد المسيح له المجد قال :
( أحترزوا من أن تصنعوا برَّكم قدام الناس لكي ينظروكم ، وإلاَّ فليس لكم أجر
عند أبيكم في السموات ، فمتى صنعت صدقة فلا تضرب قدامك بالبوق كما يفعل
المراؤون في المجامع وفي الأزقّة لكي يمجّدهم الناس ، إلى آخر الآية ........)
وقال أيضاً :
(الأولون آخرون ، والآخرون أولون )
وتكلّم أيضاً عن فلس الأرملة ..ألعلَّك لاتدرك ذلك ياأخي ؟!
لهذا أؤكِّد لكَ مرّة أخرى وأقول : دعني أجلس في المؤخِّرة...
وأعتقد لستُ بحاجة في بيت الله إلى هذه البطاقة التي تسمُّونها
(بطاقة شرف) ، فإذا لايشرِّفني ويكرِّمني الله ، لايشرِّفني ويكرِّمني بشر .
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد