إبقَ كالملح والنور ..؟وديع القس

أضف رد جديد
وديع القس
عضو
عضو
مشاركات: 335
اشترك في: السبت فبراير 19, 2011 1:23 am

إبقَ كالملح والنور ..؟وديع القس

مشاركة بواسطة وديع القس »

الملح والنّور ..؟

في موعظته على الجبل تحدّث السيد المسيح في الجزء الأول منها -5 / 1 – 12 0
عن التطويبات ، وبين فيها تأثير العالم على أبناء الملكوت ، فهم يتألمون منه وبسببه لكنّهم مطوَّبون وفي الجزء الثاني -13 – 16 من الإصحاح نفسه تحدّث عن تأثير أبناء الملكوت في العالم – فهم كالملح للأرض والنور للعالم ، فرغم انهم جماعة صغيرة لكنها مؤثرة وفعالة وإيجابية ، ولعل تلاميذه طرحوا عليه سؤالا ً بعد سماعهم التطويبات : طالما أنّ هناك حزنا ً وألما ً واضطهادا ً في هذا العالم ، أليس من الأفضل الاعتزال عنه ..؟ فأجابهم المسيح : إنّ رسالتكم في العالم هي رسالة الملح والنور ، ولا يوافق الكنيسة أبدا ًمبدأ الاعتزال عن العالم . وهكذا وضع أساس الإرسالية دون أن يشجّع على مبدأ العزلة .
والعزلة هي الإحساس بالعجز وعدم الفاعلية مع الإنسحاب من المجتمع لعدم القدرة على الإتصال معه ورسالة الكنيسة ليست محصورة في العبادة والخدمة داخل المربع الجدراني ، بل التأثيرالفعّال في المجتمع المحيط بها .
والإنسان الذي يفكر في العزلة عادة ً ما يعتقد أنّ العالم – شرّير – وإنّ البشر ساقطون وغير قابلين للإصلاح ، وإنّ المسيح عندما يأتي سوف يُصلح العالم ويغيّره .
وبذلك يتغاضى عن حقيقتين :
الأولى : أنّ الله هو الذي خلق العالم .
والثانية : أنّ الله قد فدى هذا العالم . وهم بذلك يتجاهلون مسؤوليتهم كالملح والنور بحسب تكليف المسيح ..ويؤكد روح الرب – إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ، ودم يسوع ابنه يطهّرنا من كل خطيّة – 1 يوحنا 1 / 7 .
يقول مثل روماني : -ليس هناك أنفع للإنسان من الملح والشّمس- ومن هنا يتضح لنا عدة حقائق موضوعية وروحية ...
1- ان الملح والنور لا يستغني عنهما إنسان :
فعندما يقول المسيح إنّ أبناء الملكوت ملح ٌ ونور ، فإنّه يعني أنّ العالم بمسيس الحاجة إليهما .فمع أنّه كان يخاطب مجموعة من الصيّادين المُحتقرين المُهمّشين ، إلا أنّ العالم لا ولن يستغني عنهم أبدا ً مهما كانوا ..!
2-الملح والنور يعملان في هدوء ٍ وصمت :
إنّ العواصف تتكلم بزوابعها ، لكن النّور يتكلم بسكونه . والملح ليست له لغة ، لكن كلّ إنسان يشعر بمذاقه ، وعندما يذوب في الطعام لا نسمع له صوتا ً . إذا ً فرسالة الكنيسة يجب أن تتم في هدوء وصمت بدون ضجيج وصخب .
3-الملح والنور كلاهما ينفع عن طريق التضحية :
نعم ..إ نّ الملح يذوب كي ينفع ، والزيت يحترق في المصباح لكي يضيء ، هكذا رسالة الكنيسة .
هناك من يجعلون غيرهم شموعا ً لتضيء لهم . لكن هناك من يذوبون ويحترقون لكي ينيروا الطريق لغيرهم ...هكذا تكون خدمة الكنيسة المُضحية .
4-الملح والنور كلاهما يعنِّف البيئة المحيطة به :
أجل .. الملح ليس عذب المذاق ، والنور ليس مستحبّا ً لكلّ العيون ، فالملح مؤلم جدا ً على أيّ جرح ، والنور الساطع مؤذِ كثيرا ً للعيون المريضة . هكذا أبناء الملكوت ، أنهم ضمير المجتمع الذي يقلقه ويوبّخه على خطاياه وأخطائه . أنهم كالقذى في نظر العالم ، لكن العالم لا يمكنه أن يستغني عنهم ، لأنّ فيه فسادا ً وظلاما ً. فليكن غيرنا السكّر والعسل ، ولنكن نخن الملح المرّ المذاق ، فليكن غيرنا النور الباهت الذي يريح العيون المريضة ، أمّا نحن فلن نكون إلا النور الباهر الذي يقلق العيون المريضة ، حتى تبصر جيدا ً النور الحقيقي .ويؤكد روح الرب في روميه -13 / 15 –قد تناهى الليل وتقارب النهار ، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور .
نعم ...وللملح والنور مسؤولية موضوعية وروحية:
فالملح : قبل ابتكار التبريد كان الملح هو المادة التي تحفظ اللحوم والأسماك من الفساد وما زالوا حتى الآن يفركون اللحوم والأسماك بالملح لإعاقة عملية الفساد فيهما .
وعندما استخدم المسيح هذا التشبيه كان للملح معان ٍ معيّنة في أذهان الناس ، فالملح :
1- رمز الطهارة والنقاوة بسبب بريقه ولونه الأبيض . هكذا يجب أن تكون الكنيسة طاهرة ونقيّة تختلف عن المجتمع الذي تعيش فيه وتتميّز عنه .
2- يحفظ الأطعمة من الفساد فتظلّ طازجة ومقبولة ، هكذا يجب أن تكون الكنيسة للعالم ، تعمل على حفظه في سلام ٍ ووئام ، وتعمل دائما ً كالضمير الحي للمجتمع الذي نعيش فيه .
3- يعطي مذاقا ًللطعام ليكون مقبولا ً . ولهذا رغم أن الكنيسة في رسالتها ما تكشف للناس خطاياهم إلا أنّ العالم لايستغني عنها ، لأنّه بحاجة ماسّة إلى الرسالة التي تقدمها للعالم .
4- الملح رمز للعهد المقدّس والإرتباط الأمين .- كل ذبيحة تملّح بملح – مر 9 / 49 . وفي علاقاتنا الوثيقة معا ً نقول كمثل ( آكلين خبزا ً وملحا ً مع بعض ) وهذا يدل على أمانة العهد وقوة الإرتباط وهذا هو دور الكنيسة ، أنها بمثابة مفاصل الجسم الذي يربط أعضاءه معا ً – فهي التي تحول الإنقسام إلى إنسجام والتفكك إلى وحدة .
5- وهناك من يرون أن المسيح كان يتكلم عن ملح الأرض وليس ملح الطعام – أي السّماد الذي يقوي الأرض حتى تكون جيدة فتجود بالثمار .
هذه هي مسؤولية الكنيسة أفرادا ً وجماعات ، أن تتغلغل داخل المجتمع دون أن يتغلغل هو فيها ، وتتميّز عنه دون أن تفقد خواصها ، فالملح لا ينفصل عمّا يُراد تمليحه ، ولا يفسد عندما يدخل الطّعام بل إذا اختلطت به عناصر أخرى من تراب الأرض تفسده وإذا فسد الملح لايصلح لشيء ، وإذا صار ترابا ً فسوف يفقد قيمته تماما ً.
فكيف للفاسد ان يُحفظ من الفساد ..؟ فإذا فسدت رسالة الكنيسة فإنّها لا تصلح بعد لأي شيء – ولا سامح الله أن نراه –ويؤكد روح الرب – على لسان الرسول مرقس 9 / 50 : ليكن لكم في انفسكم ملح ، وسالموا بعضكم بعضا ً .
- أمّا ما يتعلّق بالنور كما نتأمله في هذا الإصحاح أيضا ً يحمل مسؤولية موضوعية وروحية :
- أنّ الإمتياز العظيم الذي وهبه السيد المسيح للكنيسة والتي وصفها كما وصف نفسه بنور العالم – أنا هو نور العالم من يتبعني لايمشي في الظلمة – مع الفارق ، فنور المسيح نور ذاتي كنور الشمس ، أما نور الكنيسة فهو مكتسب كنور القمر الذي يعكس نور الشمس وهنا يجب أن نتنبه إلى كلام المسيح هنا ، فهو لا يقول : أنتم نور ٌ لمنازلكم ، أو لكنيستكم ، بل أنتم نور العالم كله ، بدون تمييز بين الناس حتى لو اضطهدكم العالم وسخر منكم .
- إنّ ظاهرة خسوف القمر – أي إحتجابه عن الشمس تحدث عندما تقف الأرض بين الشمس والقمر فتلقي بظلها عليه ...هكذا يحتجب نور المسيح عن المؤمنين عندما تقف الأرضيات بينهما ...؟ إنّ عمل النور الأساسي هو أن يوضع على المنارة ولا يختفي كما أكده الرب ...ومسؤولية المسيحي الحقيقي- والكنيسة - يجب أن يستخدم بهما النور للهداية والإرشاد والتحذير والإنذار ويطرد الحشرات من جحورها ويكشف العيوب – هذه هي مسؤولية الكنيسة كنور ٍ للعالم .
- أجل يا أخوتي وأخواتي و أحبائي :
- لا خير في النور إذا بقي معزولا ً ، ولا خير في الملح إذا بقي مخزونا ً ، فمن المنطقي ألاّ نضع النور تحت المكيال ( العمل ) أو تحت السرير ( الكسل ) . بل أن يوضع على المنارة العالية ليُضيء أركان البيت ، فهناك من ينطفىء نورهم تحت أعباء العمل الذي لا ينتهي ، وهناك من ينطفىء نورهم بسبب الكسل والتراخي والتوكل .
- نعم يا أخي :
- إنّ رسالتك في بيتك وكنيستك وعملك ، هي رسالة الملح المختفي والنور الظاهر .
- أحيانا ً تخدم بصمت ولا يلاحظ عليك أحد خدمتك ولا يقدّرك أحد على مجهودك ، ومع ذلك يبقى دورك مهما ً ومميزا ً لا يمكن الإستغناء عنه ، وأحيانا ً تكون خدمتك ظاهرة ، فاشكر الرب عليها وليكن هذا الظهور ليس للإفتخار أو التكبّر على غيرك ...بل لمجد الرب .
---فليضىء نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات -----( متى 5 / 16 0
وروح الرب تغمركم بالمحبة وتجعلكم ملحا ً ونورا ً للأرض بالإيمان والعمل والمحبة .

________________
_
صورة
صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 54970
اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 8:46 am
مكان: السويد

Re: إبقَ كالملح والنور ..؟وديع القس

مشاركة بواسطة إسحق القس افرام »

:croes1: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ :croes1:
صورة
صورة
وديع القس
عضو
عضو
مشاركات: 335
اشترك في: السبت فبراير 19, 2011 1:23 am

Re: إبقَ كالملح والنور ..؟وديع القس

مشاركة بواسطة وديع القس »

باركك الرب أخي اسحق ..
وشكرا لمرورك الدائم ، وكل الشكر والتقدير على هذه الإضافات الرائعة .
روح الرب يكون معك أبدا .
[/b][/b]
صورة
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

Re: إبقَ كالملح والنور ..؟وديع القس

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

العزيز الغالي وديع .
مقالتك عن الملح والنور كانت بغاية الحكمة والتعقّل ..
لقد أجدت بها وأعطيت من خلالها التفسير المنطقي واللاهوتي ..
لهذا لن أرى ماأضيفه ، سوى أن أقول لك : وفقكَ الرب ، مع شكري الجزيل .
لك محبتي وتقديري
فريد
[/size]
وديع القس
عضو
عضو
مشاركات: 335
اشترك في: السبت فبراير 19, 2011 1:23 am

Re: إبقَ كالملح والنور ..؟وديع القس

مشاركة بواسطة وديع القس »

باركك الرب أخي فريد ..وشكرا لمرورك الطيّب والمفيد ..
روح الرب يكون معك .
[/b][/b]
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”مواضيع دينية وروحية“