قصّة عمّنا توما
مرسل: الأربعاء يونيو 12, 2013 6:46 pm
من مزايا العديدة المتواجدة في شعبنا المسيحي .. انّه كانت هناك صفات خاصة قد هبطت ولصقت تلقائيا بالعديد من العائلات .. تلازم العائلة ولا تُعرف الاّ فيها ولا يُستدل عليها الاّ بعد ان تقول بيت فلان ... وترافق هذه الصفة حتى الأجيال المتتابعة من هذه العائلة او تلك .
فمثلا بيت التنكجي ... بيت القاييل ... بيت النجار ... بيت الحدّاد .... وهناك كلمة خوري او القس او الشيخ .. او الصائغ .. او غيرها من هذه الصفات او المهن .. تلصق بالعائلة والأنسان حتى تُلغي هذه الصفة او المهنة اسم الجد الأكبر وتُصبح هي اسم العائلة او ــ الكنية ــ .
وكانت قريتنا آزخ فيها وفي اسماء عوائلها بعض الصفات والأسماء الغريبة والمضحكة أحيانا ... اذا فكّر بمعناها لن يصل الى نتيجة حتى لو سرد قواميس الفراهيدي لن يخرج بنتيجة ولا لمعنى تلك الصفات والتسميات .
فمن تلك الأسماء والصفات لصقت صفة ــ الكَر ــ بشخص من أهلنا في آزخ ... قد يجوز في احد الأيام كان باله مشغولا في موضوع ما وناداه أحدهم ولم يلتفت اليه مباشرة ... فنعته بها اي ــ بالكَر ــ اي أطرش بالكردية .. وهكذا لبست هذه الصفة وهذا الأسم لعمّنا توما كبرو وأصبح يُنادى ب ــ توما الكّر ــ الى وفاته الله يرحمه .
حدّثني أحد الأقرباء هذه الحادثة التي حصلت مع عمنا توما الكّر وكان هذا السارد للحادثة موجودا برفقته . وهي حادثة ظريفة من أيام ما كان يُسَمّى ــ عسكريّة فرنسا ــ . فقال
كُنّا في ثكنتنا للجيش الفرنسي في مدينة الحسكة ونحن جنود .. وبينما نحن في الليل قامت في تلك الليلة عواصف قويّة وعاتية والريح الشديدة بحيث دبّت الفزعة في قلوبنا من سوء الحالة الجويّة والوضع المناخي وارتعب كل من في المهاجع وحتى من شدّة الرياح تكسّرت أغلب النوافذ وزجاجها من جرّاء الرعد والبَرَد من الحجم الكبير .. ولم نستطع النوم تلك الليلة المشؤومة واستغربنا ذاك المستوى من رداءة الأجواء ونحن في نهاية شهر نيسان .
أصبح الصبح علينا .. ومن نظام الجندية ومن عادة الحياة العسكرية .. الأستيقاظ باكرا والأصطفاف للتفقّد الصباحي ثم المباشرة في التدريبات الرياضية اليومية ومن بعدها الدروس العادية .
أسرعنا في النهوض وارتدينا ثيابنا في عجالة ... لأن النظام هو النظام .. وهرولنا الى ترتيب صفوفنا في الطابور ... كما يقال .. لتقديم الصف والتفقّد
وبينما نحن في أتم الأستعداد والنظام قدِم الينا قائد الثكنة برتبة ضابط وباللغة الدارجة الفرنسية ــ يو طنان ــ قدّموا له الصف وجال نظره فينا وتفقّدنا .. ونظر نظرة عامة واذ به يتفاجأ بمنظر الشبابيك المحطّمة والزجاج المكسور والمبعثر على ارضية الثكنة بشكل ملفت للنظر .
وهنا كانت المفاجأة ..ز قال لنا وبصوت جهوري عال وبالفرنسية ... من قام بهذا الفعل الشنيع ومن كسر كل هذا الزجاج ؟؟؟؟
ويا للمصيبة والفاجعة التي حلّت علي وعلى صديقي توما ساعتها
فالزجاج في الفرنسية يُسَمّى ـــ كارّوو ــ وما ان هذه الكلمة وصلت سمع عمّنا توما الكّر .... حتى غلى الدم في رأسه وارتعد وهو مكانه وبدأ يُحرّك يديه ويضرب كفّا بكف ... وبدأ يشتم ويشتم حظّه العاثر وكره حياته وبدأ يُكَلّم نفسه والزبد كرغوة صابون على فمه وهو يقول بصوت أسمعه انا كوني بجانبه .
الله كَ تبق بيت أبوكن ..طلعنا من آزخ ووقعنا ف الدنيي ... وما خذنا نفس الى وصلنا الى هون وصرنا عسكر فرنسا .
قي يا بابا الله ايني قول لي خطيتي اشني تِ الى هون مي فكّون منّ هويا المنيعييل .
قي اسّع هما الله يرحم ابوك قي جاخ ذّا الحكي وِ ؟؟ .
ولم يعد جسمه يتحمّل انفعالات نفسه ولم يعد يصبر ان يبقّ في وضع الأستعداد .. فما كان منه الاّ ان خالف النضام العسكري وخرج من الصف مسرعا والغضب يتطاير من عينيه واقترب من الضابط .. ورفس الأرض في قدمه وقام بتحيّة الضابط ــ اليوطنان ــ .
وبعد ان هزّ الأرض بقدمه قال للضابط وبالفرنسية وبالمستوى الثقافي الذي وصله في اللغة قائلا
انا غلامك ... مور ( اي mon ) يوطنان ... وقعتو فهاك بختك قول لي منِ قالّك اسمو كرّوو ؟؟؟؟
استغرب الضابط هذا التصرف وهذا الكلام الذي لم يفهم منه اي حرف وبعد ان استعان بمترجم أفهمه الخبر أن عمّنا هذا ينادونه بتوما الكر وهو بطبيعة الحال تسودّ الدنيا في وجهه عند سماع هذه الصفة ... وانه فهم من محاضرتكم ان احدهم قد قال لك ان عمّنا هذا اسمه الكّر .
عندها ضحك الضابط الفرنسي وقال له عن طريق المترجم
عزيزي انا لم ولا اعرف شيء عن هذه القصة ...... كل ما هناك استفسرتُ عن كيف ومن قام بتكسير الزجاج في النوافذ
رجع عمنا توما مع عدم القناعة بالنتيجة وعاد الى مكانه وهوو يشتم ويلعن من كان السبب في نرفزته هذا الصباح .
ايــــــــــــــــــــــه الله يرحم تلك الأيام البسيطة الجميلة ويا ما أحلى مشاكلها ومصائبها على هذه الشاكلة