متكاتفون .... بلا أكتاف
مرسل: الخميس مايو 02, 2013 6:51 pm
ترجع «خلافات» العرب فيما بينهم الى عهود قديمة، زَيَّنَت ـ وبكل اللغات ـ تاريخهم “الشقاقي” التنافري بأطول وأكثف الصفحات. وتبعاً للمستجدات كانوا، يبتكرون ـ من دون انقطاع ـ أحدث الطرق والأساليب لإنعاش «ثقافة» الشقاق والنفاق والتباعد والصراع!
وبنتيجة السيل «الطوفاني» المرعب، للمناكفات والمؤامرات والاجتياحات والارتباطات والخيبات والتفاهات و«الهَيْلمات»، وصولاً الى «التخوين» والخيانات، أصبح «فيروس» الخصومة مزمناً ومستوطناً، من دون رادع يشجبُه، او لقاح يوقفه . وانطلاقاً من هذه الحالات، امتلأت اللغة العربية بشتّى الأقوال والحِكَم والتمنيات التي تدعو ـ ليل نهار
ـ الى الوئام والتآخي والسلام والتضامن والتعاضد والتساند والتعاون والتوافق، ورصّ الصفوف والاتحاد والانصهار، والتمسك بأهداب الوحدة العربية الشاملة. وحفَلَتْ بطون و«كروش» الكتب والموسوعات على مدى قرون «طويلة» و«معقوفة»! بالعبارات والوصايا التي تهيب بالجميع الى شدّ الأزر، وتأجيج جذوة الحماسة بالنجدة والاستجارة، وتخطّي الواقع العامر بكل اشكال التفتت والتشتت والتشرذم.
ولم تحتضن أي لغة في العالم ما جمعته واحتضنته اللغة العربية من «أفعال» التضامن والتكاتف، ولولا حالات التآكل والتفكك «الكوارثية» فيما بيننا، لما كنَّا بحاجة الى هذا الكمّ الهائل من «الأفعال التوحيدية»، الداعية الى اصلاح ذات البيْن. ولهذا كان فعل «الوجوب» دائم الحضور، بصفته «الفيصل» الذي يسبق تلك «الأفعال»، كأن نقول: «يجب» أن ندعم ونُسعف ونؤيّد ونذود ونحمي وندافع.
ولقد استوقفني فعل «تكاتَفَ» من بين جميع «أفعال» الارادات الطيّبة والنيات الحسنة. والمعروف عن «التكاتف» في لغتنا الحبيبة، هو وضع الكتف ملتصقاً ومتراصاً مع كتف آخر، دعماً وتأييداً له. والكتفان في «الموروث العربي» هما المدماك الرئيس لهيبة الرجل – والمرأة ايضاً – ولذلك قيل: إن فلاناً «كتفه راكز»، وإن علاناً «كتفه واطي أو قاشط». ولقد أشاد العرب بهذا الفعل وأولوه اهتماماً مميزاً فقالوا: إن فلاناً، يعرف من أين تؤكل الكتف، وذلك للدلالة على الذكاء والفطنة وسعة الحيلة من جهة، ومن جهة ثانية لبرهَنَة واثبات صعوبة النيل من منعة الكتف. ولأن الاكتاف لها الموقع السامي فقد اختيرت لتوضع عليها نجوم ورتب الضباط. وفي رياضة «المصارعة» يعتبر فائزاً من استطاع تثبيت «كتفي» خصمه على الأرض. ويقال في ما يقال: «إن فلاناً معروف لحم كتافو منين». و«إن علاناً حامل الدنيا على كتافو». وقال بشارة الخوري «الأخطل الصغير» في قصيدته «الهوى والشباب» التي غنّاها محمد عبد الوهاب:
أأنا العاشق الوحيدُ لتُلقى
تبعاتُ الهوى على «كتفيّا»؟!
ولئلا نقف – كالعادة – «مكتوفي» الأيدي امام كل «أفعال» التضامن والتآلف حاولنا جاهدين أن ننْحَتَ ونجتهد في علم قواعد الصرف و«القبض» والنحو، ونستخرج المزيد منها بهدف الوصول الى تحقيق «الوحدة العربية الشاملة» بـ«أفعال» الكلام!! حتى قيل: إن اللغة العربية، هي لغة «وحدوية» بامتياز، لشعب عرَفَ كيف «يتفرّق بامتياز»!!
ومع أن العرب كتبوا وتحدثوا كثيراً عن «المنْكِبْ» و«العاتق» – وهما مطرحان مجاوران للكتف – فقد قالوا: «حمل فلان القضية على منكبيه»، و«أخذ فلان المسألة على عاتقه» إلاّ أنهم لم يقولوا: تناكبوا او تعاتقوا بل قالوا «تكاتفوا». ولكن، رغم ضخامة حملة «توليد» أفعال الوئام، فإننا وبكلّ عناد سنصرّ على أن يبقى فعل «تكاتَفَ» هو الفعل الأساس في بناء الصرح القومي الوحدوي، خصوصاً بعد أن قال لنا العالم وبجميع الصيَغ والمعادلات واللغات: «خلصنا بقا، فرجونا عَرْض كتافكم»!!!"
منقوووووووول