لو خيّرك أحدهم فوقَ ذاكَ الجسرْ الرهيبْ بقلم:فريد توما مراد

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

لو خيّرك أحدهم فوقَ ذاكَ الجسرْ الرهيبْ بقلم:فريد توما مراد

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

بسم الآب والإبن والروح القدس إله واحد آمين

إن دربَ الحياة مرصوف بالأجيال ، الواحد منهم يلي الآخر مسرعاً للرحيل ها إنهم يتتابعون لعبور الجسر الهائل ، وهذا ينافس ذاكَ للوصول إلى النهاية .
أيها الأحبة ! إن هذه الكلمات التي إبتدأت بها ، لا بل هذه اللوحة المعبرة التي رسمها لنا بالكلمات القديس مار يعقوب السروجي ، مصوراً لنا من خلالها كيفية الخروج من هذه الحياة الزمنية الفانية ، هذه الكلمات سمعناها مراراً من الآباء الأفاضل والإخوة الشمامسة حيث تُقال في نهاية صلاة الجناز، لكن للأسف فالكثير منّا لم يدرك معانيها لأنها تُقال دوماً باللغة السريانية الفصحة أي( بالأكثبُونويو)
فتعالوا معاً أيها الأحبة لننظر في هذه اللوحة ونرى كيف صوّرها لنا هذا القديس
البار. في هذه اللوحة نرى طريقاً أُحادياً باتجاهٍ واحد ، أي ذهاباً دون إيِّاب ، هذا الطريق مكتظاً ومحتشداً بالناس الكل يسير بإتجاهٍ واحد ، في نهاية هذا الطريق
جسراً هائلاً معلقاً فوق وادٍ عميق ، الكل يجب أن يعبر هذا الجسر ليصل إلى الطرف الآخر حيث برِّ الأمان والطمأنينة والراحة والسلام الأبدي ، الكل يتجنب
السير على أطراف الجسر لكي لا يهوي في الوادي السحيق حيث البكاء وصكيك
الأسنان وحيث الدود الذي لايفنى والنار التي لاتنطفىء .
فتخيّل نفسك ياأخي المؤمن وأنت في تلك اللحظة بين تلك الجموع الغفيرة وفوق
ذاك الجسر الرهيب ، لو خيّرك أحدهم وقال لك : لديّ الكثير من المال خذهُ واعطيني مكانك في الوسط لكي أضمن السلامة وأصل إلى الطرف الآخر من الجسر ، فماذا سيكون جوابك له وأنت تعلم بأن في الطرف الآخر من الجسر
لاقيمة لتلك النقود التي ستحصل عليها وتستبدلها بمكانك ، حتماً سيكون جوابك له
بالرفض والنفي ، لو خيّرك أحدهم في تلك اللحظة وقال لك : لدي الكثير من العقارات الشاسعة والبنايات الشاهقة والمحلات الضخمة ، خذهم واعطيني تلك
الزوادة القليلة التي بين يديك والتي يُقال لها زوادة الإيمان حيثُ علمتُ بأن بها
طريق الخلاص والنجاة ، فماذا سيكون جوابك لهُ وأنت تعلم بأن تلك الرحلة
تلك المسيرة لارجعة منها ولن تعود ثانية لتمتلك تلك العقارات وتلك البنايات
وتلك المحلات الضخمة ، حتماً سيكون جوابك لهُ بالرفض والنفي .
ولو إفترضنا العكس لاسمح الله بأنك أنت الذي في تلك اللحظة تعرض مالكَ
وعقاراتكَ وبناياتكَ ومحلاتكَ الضخمة ولكن تُقابل بالرفض والنفي ، وأنت كنت
تعلم مُسبقاً بأنه لامجال في تلك اللحظة للمفاوضات والمبادلات والمقايضات لأن
الوقت يكون قد تأخّر ، فقد كان لديك المتَّسع من الوقت لتلك الأمور لكنكَ كنت دوماً تُأجل وتقول : لم يحن الوقت فلازالت الحياة أمامي طويلة .....!!!!
أجل ياأخي المؤمن إنك دوماً تؤجل وتقول:لم يحن الوقت فلازالت الحياة أمامي طويلة ،لقد جاءكَ السيد المسيح له المجد بثوبٍ جديد وقال لك: إخلع عنك الثوب
القديم وإلبس هذا الجديد ، لكنكَ لن أقول رفضت أو ترفض لاسمح الله إنما دوماً
تقول: الأفضل والأليق والأنسب أن أُخبِّىء هذا الثوب ليوم العيد .....!!!!
وأيُ عيدٍ تنتظر بعد المسيح ؟ أيُ فرح تنتظر بعد المسيح ؟ أليست جميع أيامكَ
بالمسيح أعياد ؟ أليست جميع أيامكَ بالمسيح أفراح ؟ حتى في يوم الممات لك فرحاً
وعيد مع المسيح ، لأنه هو القائل له المجد ( من آمن بي ولومات فسيحيا )
هو الذي طوَّبكَ وبارككَ وهنّأكَ سلفاً في موعظته على الجبل عندما قال :
طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السموات ، طوبى للحزانى وطوبى لصانعي السلام وطوبى لأنقياء القلوب ... وطوبى ..وطوبى...فطوباك ياأخي المؤمن إذا كنت من المعنيين ، طوباك إذا كنت من المدعوين .
المسيحية أيها الأحبة ليست فقط عادات وتقاليد وطقوس ورموز ، المسيحية الحقيقية هي التمسك بتعاليم السيد المسيح ، السير على خُطى السيد المسيح ، من أجل الرسالة التي جاءَ بها السيد المسيح ، وإن لم تكن هكذا فالويلُ لنا ...
في كلِ مرّة نجتمع بها لنودع عزيزاً أو صديقاً أو قريب ، نبكي ونذرف الدموع
ونتحسّر ونردد مع سليمان الحكيم ونقول: باطل الأباطيل كلُ شيىءٍ باطل
لكن ماأن تنتهي مراسيم الدفن ويعود كلٌ منا من حيث أتى ليبدأ حياته من جديد
يأكل ويشرب وينام ويستيقظ ويسعى وراء مغريات هذه الدنيا الفانية حتى ينسى بأن لكل بداية نهاية على هذه الأرض
ينسى بأن لابد له أن يعبر يوماً ما ذاك الجسر الرهيب الذي عبرهُ ذاكَ الفقيد
ينسى بأنه ضيفاً في هذه الحياة وعيبٌ على الضيف أن لايحترم قوانين مُضيفه
إنك إن حللت ضيفاً على منزلٍ ما ، على بيتٍ ما لابدَّ لك أن تحترم قوانين هذا البيت ، حُرمة هذا البيت ، حتى عندما تغادر هذا البيت ، تغادره بسيرة طيّبة وسمعة حميدة
كيف لا وإنكَ ضيفاً عند الله فلابدَّ لكَ أن تحترم قوانين الله ، تعاليم الله ، شرائع الله
حتى عندما تغادر هذه الديار تغادرها وأنت مطمئن البال ومرتاح الضمير.
لهذا أيها الأحبة يجب علينا دوماً أن نكون ضيوفاً محترمين ، يجب أن يكون ذكر الله دوماً على لساننا في صبانا وفي شيخوختنا ، في غنانا وفي فقرنا ، في علمنا
وفي جهلنا ،الله قريبٌ منّا ، يكفي أن نناديه بإخلاص فهو يستجيب .
وتعود بيّ هذه الكلمات لتُذكرني بكاتبٍ وجودي كان قد وصل في نهاية مطافه
إلى درجة الإلحاد والكفر ، فراح يكتب كتاباً ضدّ الله وكان مزمعاً أن يسمي هذا
الكتاب – من هو الله ؟ - ، كان لهذا الكاتب صومعة فوق جبل صننين في لبنان
يصعد إليها كل يوم ليجلس بها ويكتب كتاباته ، وفي إحدى الأيام وهو يتسلق الجبل
ليصعد إلى صومعته ، إنزلقت رجله وكادَ أن يهوي من على سفح الجبل ، إلاَّ إنّه
في لحظةٍ ، في طرفةِ عين ، وبدون مبالاة صرخ يالله وتمسّك في غصن شجرة
كانَ نابتاً في سفح الجبل ، بعدها صمتَ قليلاً واسترجع أنفاسه وراح يخاطب نفسه ويقول : لماذا انا أستنجدت بالله في الحال الذي أنا أكتب فيه ضدَّ الله ؟
لماذا لم أستنجد بشىءٍ آخر غير الله ؟؟
بعدها نزل من على سفح الجبل وعاد أدراجهُ إلى البيت وأخذ تلكَ الكتابات والأوراق التي كان يكتبها ضدَّ الله ورماها في موقد النار وقال: آمنتُ بكَ ياالله بأنك
منقذي ومخلصي ، ثم ذهب إلى الكنيسة واعترف إلى الكاهن وتناول جسد الرب
ومات أخيراً ذاكَ الكاتب على رجاءِ القيامة .

فريد توما مراد
ستوكهولم – السويد
4 – 9 – 2012م
صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 54934
اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 8:46 am
مكان: السويد

Re: لو خيّرك أحدهم فوقَ ذاكَ الجسرْ الرهيبْ بقلم:فريد توما م

مشاركة بواسطة إسحق القس افرام »

قواك الله أخي العزيز فريد
مجهود ممتاز
وموضوع أكثر من رائع
تقبل تحياتي
:croes1: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ :croes1:
صورة
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”مواضيع دينية وروحية“