حكاية شاعر قتله اللوم
مرسل: الجمعة نوفمبر 14, 2014 12:05 pm
حكاية الشاعر ابن زريق
(ابن زريق ... شاعر قتله اللوم)
إذا كان تاريخ الشعراء يعرف شعراء قتلهم الحب وآخرون قتلهم الحقد أو قتلهم التطلع للمناصب أو الغيرة من جوائز الأمراء وغيرهم قتلهم بيت شعر قالوه فإن ابن زريق طراز آخر من الشعراء .... لأنه شاعر قتله اللوم .
كان الشاعر ابن زريق من الشعراء المجيدين الذين أثروا العصر المملوكي بإبداعهم الأدبي والشعري وكان له زوجة يحبها حبا جما وتحبه حبا جما غير أنه كان له مال وفير اكتسبه ثم أضاعه ذلك أنه على حذقه للشعر وباعه فيه إلا أنه لم يكن ذا مهارة تكفيه أن يحفظ المال فضلا عن أن يثريه ولهذا كانت زوجته لا تضيع فرصة يمكن فيها أن تلومه على ضياع هذا المال إلا انقضت عليه ونشبت أظفار اللوم في وجهه وقلبه لتنهش فيها ولم تكن تدخر جهدها ولا وسعها أن تذكره بهذه الحادثة كلما اختلفا أو تعاركا فتعيره بتضييع قوت العيال وذهاب المال كما جاء وأخذت على هذه الحال سنوات حتى ضاق به ذرعا وقرر –على حبه لها- أن يهجر البلد والوطن ويسعى في الأرض ضاربا لعله يعوض خسارته الفادحة فلا تلومه زوجته على ضياع المال مرة ثانية.
غير أن إمكاناته ما كانت أبدا لتؤهله لذلك ... فلم يكسب مالا ولم يعوض خسارة ... على أنه كان كثيرا ما يشتد به الحنين إلى زوجته الحبيبة فلا يجد ملاذا غير أوراقه التي خط فيها عيونا من القصائد التي وصف فيها صراعه النفسي الرهيب بين شوقه الهائل إلى عودته لأهله وبيته وبين خوفه القاتل من لوم زوجته إذا هو عاد صفر اليدين.
والقصيدة التي بين يدي الآن قصيدة كتبها وتحدث فيها عن شوقه لها وعن حزنه أنها جاوزت في لومه حدا أضر به دون أن تدري وهي من أعظم ما كتبه وفي الوقت نفسه أهم ما كتبه لأنه كتبها في ورقة ثم وضعها تحت وسادته ومات من فوره فكانت أعظم ما كتب وأهم ما كتب وآخر ما كتب ... يقول ابن زريق :
لا تعذليــه فإن العـذل يولعـــه ،،، قد قلت حقا ولكن ليس يسمعــه
جاوزت في لومـه حدا أضــر به ،،، من حيث قدرت أن اللوم ينفعــه
فاستعملـي الرفـق في تأنيبـه بدلا ،،، من لومه فهو مضنى القلب موجعه
يكفيـه من لوعـة الـتأنيب أن له ،،، من النوى كل يوم ما يروعـــه
ودعتـه وبودي لو يودعنــــي ،،، صفو الحياة وإني لا أودعــــه
وكم تشبث بي خوف الفراق ضحى ،،، وأدمعي مستــهلات وأدمعـــه
لا أكذب الله ثوب الصبر منخـرق ،،، عنـي بفرقتـه لكـن أرقعـــه
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعنـي ،،، به ولا أن بي الأيــام تفجعــه
حتى جرى البين فيما بيننا بــيد ،،، عســراء تمنعني حظي وتمنـعـه
عل الليالي التي أضنـت بفرقتـه ،،، جسـمي ستجمعني يوما وتجـمعه
وإن تغـل أحـدا منـا منيتـــه ،،، فـما الذي بقضـاء الله نصـنعــه
وبالفعل وافته منيته في الليلة ذاتها فما الذي بقضاء الله يصنعه أو تصنعه زوجته؟
فكان الشاعر ابن زريق شاعرا قتله اللوم.
منقووووووووووول