الفقراء من نظرة كنسية ... / للربَّان رابولا صومي...؟!!

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
Alrban Rabola
مرشد روحي
مرشد روحي
مشاركات: 300
اشترك في: الاثنين مارس 18, 2013 7:32 pm
مكان: سوريا

الفقراء من نظرة كنسية ... / للربَّان رابولا صومي...؟!!

مشاركة بواسطة Alrban Rabola »

:ang1: :jesse: :mary: :ang3: :ang2:
10 ديسمبر 2015م

محاضرة ألقيت في كنيسة مار جرجس بمقر البطريركية
للسريان الأرثوذكس ،دمشق ـ سوريا
بقلم الأب الربَّان رابولا صومي ـ دير ما أفرام السرياني بمعرة صيدنايا ـ دمشق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يسوع المسيح طفل الفقراء

نُعَنون مُحَاضرتنا في هذه الأمسية الجميلة، ونحن مجتمعين تحت سقف هذه الكنيسة المباركة كنيسة مار يعقوب السروجي للسريان الأرثوذكس. متكلين على العزّة الإلهية ومستمداً قوتي من قوة الكتاب وقولي من قول تقيَّ الله ونبي الله الصديق طوبيا قائلاً : " تَصدَّق من مالِكَ ولا تُحوِّل وَجهَكَ عن فَقيرٍ، وحينئذٍ فوجهُ الربِ لا يُحوَّلُ عنكَ. طوبيا 4: 7 "
سيدور كلاَمُنَا أحبائي في عدة محاور ونظرات.
1 ـ النظرة الأولى:
يسوع المسيح يهتم بالفقراء في العهد القديم.
كان العالم القديم قَد ساد فيه الظلم والجهل والفَقر مُنذ أقدم العصور، والمجتمع البشري يتخبط خبطَة عشواء في الليلة الظلماء. رغم أنَّ شريعة الله في كتابهِ العزيز قديماً كانت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لبني إسرائيل. إذ تُركز على حماية الفقراء والتخفيف من آلمهم، غالباً ما يتجاهل الأنسان أخي الأنسان على حدِّ قولِ عاموس النبي: " هكذا قال الرب: من أجلِ ذنُوبِ إسرائيل الثلاثة والأربعة لا أرجعُ عنهُ ، لأنَّهم باعوا البارَّ بالفضَّة، والبائسَ لأجل نَعلينِ. ( عاموس 2: 6 ) وقد شجب الله الطريقة السيئة لمعاملة الفقراء كقول نبي السبي حزقيال : " شَعبُ الأرض ظلَموا ظُلماً وغَضَبوا غضباً، واضطهَدوا الفقير والمسكين وظلموا الغَريب بغيَر الحق. (حزقيال 22:19)
حثَّ الرب الشعب الإسرائيلي للاهتمام بالفقير كما جاء في سفر اللاويين على لسانِ موسى النبي : " وعندما تّحصدُونَ حصَدَ أرضكم لا تُكمِّل زوايا الحَقل في الحصَاد. ولقاطَ حصيدكَ لا تلتَقِط. وكرمَكِ لا تُعللّهُ، ونِثَارَ كرمِكَ لا تلتقِط. للمسكين والغريب تركهُ. انا الرب الهُكم. " لاويين 19: 9و10 " قارن تثنية 24: 19 ـ 22 وراعوث 2: 8 ـ 23 )
أجل لم تكن حالة الفقير أفضل في زمن السيد المسيح.....؟!!
فالقادة الدينيون ( الأكليروس حالياً ) الذين يتظاهرن بالأيمان وممارسة الصلاة والصوم وتقديم العشور " لوقا 18: 12" والمداومة في الهيكل " الكنيسة " لم يُظهروا أي اعتبار أو لفتة إيجابية اتجاه الفقراء والمِعوَزين وأهل الفاقة، بل كانوا يستغلون المؤمنين البسطاء لجيوبهم الشخصية، ووصفهم الرب يسوع بأنهم " مُحِبون للمال "
" يلتهمون بيوت الأرامل " ويهتمون بحفظ تقاليدهم أكثر من الاهتمام بالمسنين والمعوَزين. ( لوقا 16: 14، 20: 47، متى 15: 5، 6 ) كما نرى السيد المسيح بالإنجيل المقدس ينفرد بوصفه السامري الصالح ليعلمنا قوة تأثير عمل الرحمة. وقد ذكرَ المثل الكاهن واللاوي ( الشماس ) " الأكليروس " رأيّا رجلاً مجروحاً ولكنهما اجتازا في الجانب المقابل من الطريق بدل أن يتوقفا لمساعدته، بل رجلاً سامرياً غريباً لا يعرف الكتاب وممارسة الطقوس والهيكل مثلهما تحننَ عليه وحمله على دابته واعتنى به ....... " لوقا 10: 30 ـ 37 "
2 ـ النظرة الثانية:
يسوع ومصاعب الفقراء.
تُظهر لنا الأناجيل من خلال حياة يسوع المسيح أنه تَفهم جيداً حالة الفقراء والمصاعب التي يواجهُهَا في حياتهم اليومية، ولذلك نجده حساساً جداً لحاجاتهم. رغم أنه كان يعيش في السماء أنحدر وأخلى نفسَهُ وصار إنساناً و " أفتقر من أجلنا كقول الرسول بولس : " أنه من أجلكم أفتقر وهو غنيٌ لكي تَستَغنُوا أنتم بفقرهِ " ( 2كورنثوس 8: 9) وعندما رأي الجموع تحننَّنَ عليهم إذ كانوا مُنزَعجين " مَهمُومين ومُتَألمين ومُنطَرحين كغنمِ مشَردين لا راعيَ لها " ( متى 9: 36) كما نستدل هذا من حادثة الأرملة الفقيرة، أنَّ يسوع لم يتأثر بالهدايا غالية الثمن التي قدمهَا الأغنياء من فضلتِهم " بل نرى العكس يفرح ويقبل التبرع الزهيد البسيط الذي قدمتهُ الأرملة المسكينة، وما فعلته قد مسّ قلب يسوع ...!! " لأنها من عِوزها ألقت كُلَّ المعيشة التي لها، كقول البشير لوقا 21: 4) وهنا يعلمنا الرب يسوع درساً جديداً ..؟! حتى الفقراء يجب أن يتبرعوا لبيت الرب لا فقط الأغنياء أو ميسوري الحالة ولو بفلس الأرملة " الرب يسوع لم يكتفِ بالشفقة والرأفة على الفقراء بل أهتم اهتماماً لا يوصف بحاجاتهم ومتطلباتهم حيث عمل ورسلهُ صندوق مشترك يتبرعون منه لسدّ رمق المحتاجين في إسرائيل كما يُخبرنا الإنجيل المقدس. ( متى 26: 6 ـ 9، يوحنا 12: 5 ـ 8 و 13: 29 )
ويُذكَر أنَّ الرب يسوع يحثُ الأغنياء لمساعدة الفقراء بقوله للشاب الغني : بع كُل ما عندكَ ووزع على الفقراء، فيكون لكَ كنزٌ في السموات، وتعالى اتبعني " ولكن الشاب لم يستطع بسهولة التخلي على مقتنياتهِ لأنَّ محبة المال كانت تفوق محبة الله والقريب. ولهذا لم يستَحسن أن يكون تلميذاً ليسوع . ( لوقا 18: 22، 23)
النظرة الثالثة:
تلاميذ يسوع يهتمون بالفقراء.
بعد أن قضى يسوع فترة حياتهِ على الأرض التي شملت التبشير، التعليم ،التلمذة ،الصلب ،الموت ،القيامة والصعود، أستمر رسله الأطهار وتلاميذ التلاميذ بنفس النهج والسير إثرَ الخِطَة التي رسمَهَا يسوع لهم، إذ يُظهرونَ للملأ أهتماهم بالفقراء كما علمهم المعلم. ففي سنة 49م أجتمع الرسول بولس مع نخبة من الرسل بقلب واحد : بطرس ويعقوب ويوحنا ابني زبدي " وناقش معهم التفويض الذي ناله من الرب يسوع المسيح لكي يكرز بالبشارة بإنجيل المسيح. فاتفقوا أن يذهب بولس وبرنابا " إلى الأمم " واما بطرس للختان وحثوا بولس وبرنابا أن " يذكرا الفقراء " وهذا ما سعى إليهِ الرسل بولس " بجد ونشاط أن يفعلهُ " ( غلاطية 2: 7 ـ 10 )
نجد في تأريخ الكنيسة السريانية كيف أن القديسين يقتدون بالسيد المسيح والرسل وتلاميذهم في مساعدة الفقراء.على سبيل المثال لا الحصر: مار " نيقولاوس " مور زوخى ـ سانتا كلوز " أسقف مورا ـ ميرا " الذي يُعرف بأبو الرحمة من خلال قصته مع الرجل الذي يريد يُزّوِج بناتَهُ الثلاث وإلا يرسلهم إلى الملاهي الليلية، فينقذ القديس هذه العائلة من فقرها ومحنتها. أشتهر نيقولاوس بالمجتمع الأوربي باسم بابا نويل ـ سانتا كلوز ـ سانت نيكولاس بالأنكليزية أو عيد الميلاد " " Father Christmas أبو الميلاد هو اختصار اسم عيد الميلاد " X mas" " لأن الحرف الروماني " X " الذي يشبه الحرف اليوناني " X " ويقابله بالأنكليزية " Chi" أي مختصر لاسم المسيح " خريستوس ـ Xpristos وكلمة " Christmas" مُكونة من مقطعين: المقطع الأول هو كريست ـ Christ ومعناها المسيح ( المخلص ) والمقطع الثاني هو Mas " " مُشتق من كلمة فرعونية معناها " ميلاد " . أما بالفرنسي: Le pere Noel " Papa Noel " " بابا نويل ابو عيد الميلاد " كريسماس " Father Christmas عمانوئيل ـ ܥܡܐܢܘܝܠ.
باللاتيني : ناتاليه ـ Natale " نويل " بالفرنسية نويل ـ Nativi ty
بالسويدي : Jultomten
سانتا كلوز : Santa Claus
القديس نيقولاوس ـ مور زوخى بالسرياني. Saint Nicholas
معنى كلمة ( كريسماس ) و ( بابا نويل هي اختصار للكلمة السريانية ܥܡܐܢܘܝܠ ـ عِمانوئيل. أش 7: 14 ومتى 1: 23 )
الكريسماس " Christmas " هو احتفال بعيد ميلاد الرب يسوع المسيح وشجرة الميلاد. أي ميلاد الرب، ميلاد ابن الرب. بهذا العيد تُقدم الهدايا كما فعل الرب يسوع في تقديم الهدايا الأهل والأحباء والأصدقاء لبعضهم البعض وكذلك للفقراء والمساكين والمحتاجين. وهذا التعليم والتقليد جاء من مفهوم الكتاب المقدس كيف أن الرب يوصي بالفقراء وكذلك الرب يسوع في العهد الجديد وهدايا المجوس التي قُدمت للرب يسوع في يوم ميلاده بمغارة بيت لحم وكانت تشمل: " الذهب ، المر ، البخور أي هو الملك، المصلوب المتألم، الكاهن " ولكن التقاليد ربطوا عمل الرحمة بقصة القديس العظيم مار نيقولاوس كما هو معرف عنه اقتدى بمعلمه السماوي يسوع المسيح ورسله الأطهار وبشخص البابا نويل صاحب الزي الاحمر وهي ملابس الأسقف ورمز لدم المسيح الذي يُسفك على عود الصليب هكذا الأسقف يسفك دمهُ تضحيةً أمام رعيتهِ. ولكن اليوم لا يعود الطفل يعرف عيد الميلاد بدون البابا نويل وشجرة الميلاد، أي أصبحنا نلفت أنظارنا الى هذه الأشكال والدمىَ ونسينا ميلاد يسوع والطفل يسوع ومغارته البسيطة والمذود. أي أمسى العيد مزايا خارجية أكثر ما هو روحي ولكن هذه الأمور أيضاً اًمست وسيلة للتعبير على روح العيد وبدونها لا نستطيع أن نعيش بهجتنا وفرحنا ليسوع الطفل. المهم لا نخرج عن المفهوم والهدف الأساسي للعيد لأن التجَّار الكبار يستغلون هذا الأمر لمصالحهم الشخصية وليس لشخص يسوع رب العيد. أما كلوز هو اسم زوجة ذلك الرجل الذي كان يعيش في الشمال القارس المثلج ويصّورُه يركب بمركبة تجرُّوهَا غزلان ولِبَاسَهُ الأحمر وذقنه بيضاء تيمناً بالأسقف نيقولاوس. ويوزع الهدايا للأطفال، وارتبط اسم القديس باسم كلوز فأصبح سانتا كلوز. وبالحقيقة الهدايا كانت توّزَع على الفقراء وأطفال الفقراء كما عَنوَنتُ مُحاضرتي " يسوع طفل الفقراء ".
ولدينا أيضاً القديس رابولا الرهاوي أسقف أورفا ( ت 335م ) كان مشهوداً له بعمل الرحمة ،فكان يوزع على الفقراء في الاعياد والمناسبات كما وزع جميع ثروت والده على المحتاجين ولذلك أغلب المؤسسات الخيريّة والأحسان تكون باسمه وهذا معروف في أبرشيتي حلب والجزيرة، ونقرأ عن كثير من القديسين والقديسات.
النظرة الرابعة:
أنطاكية تهتم بالفقراء.
إبّانَ حكم الأمبراطور كلوديوس " قيصر " عانت مناطق مختلفة من الأمبراطورية الرومانية من المجاعة والفقر، صمم المسيحيون الأوائل الأنطاكيون " سريان ، عرب ، يونان " بكل طاقاتهم أن يؤدوا خدمة بإرسال إعانة إلى الأخوة الساكنين في اليهودية ففعلوا ذلك مرسلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول " الرسول بولس " ( أعمال 11: 28 ـ 30 ) ومن هنا جاءت عادت جمع الصينيّة في الكنيسة تُجمع من الأغنياء وتُوزع على الفقراء هي عادة نشأت في أنطاكية ولاتزال إلى يومنا هذا نجمع صينية للفقراء وأخرى لصندوق الكنيسة. أما من قبل كانت فقط للفقراء لأن هناك تقدمات أخرى مثل العشور والبكور والنذور والقرابين.

النظرة الخامسة.
المسيحي اليوم والفقراء.
يَدركُ المسيحيون الحقيقيون أتباع المسيح أنَّ من واجبهم الروحي والاجتماعي أن يهتم بالفقير والمِعوَاز بشكل لا يوصف تيمناً بمعلمهم وخصوصاً من أهل الأيمان كقول الرسول بولس : " فلنعمل الخير للجميع ولاسيما لأهل الأيمان. غلاطية 6: 10 " لذلك يهتمون اهتماماً كبيراً بتزويد المساكين والمحتاجين والمجروحين كما في بعض المؤسسات الخيريّة والأحسان في الكنائس والمنظمات العالمية وبالتحديد ايام الأعياد.
فالمؤمن يفرخ فرحاً روحياً عندما يساعد إخوتهُ بالرب كما نُفّرح قلب الرب بهذا العمل المقدس كقول المرنم قديماً : ( سعيدُ " صالحٌ " هو الرجل الذي يترأف ويُقرض. مزمور 112: 5 ) وأيضاً يحثنا الرسول يعقوب بهذا الأمر: "إن كانَ أخٌ وأختٌ عُريَانين ومُعتازين للقوت اليومي، فقالَ احدكم : " امضيا بسلامٍ، استَدفِئا واشبعا "
ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد، فما المنفعة " ( يع 2: 15 و 16 ) مهما يكون هناك جهود حثيثة للقضاء على الفقر حتى الحكومات القويّة ووكالات الإغاثة الدولية المهتمة بهذا الشأن، التي لاقت جهوده بعض النجاح في بعض البلدان، غير أنها لم تتمكن من محو مشكلة الفقر القديمة لذلك يراودنا السؤال : ماهي السبل والحل النهائي للفقر والمشاكل الأخرى التي تبتلي الجنس البشري .... الجواب ....؟ّ
تعاليم الرب يسوع في الكتاب المقدس وأقوال الآباء القديسون تمنح لنا العلاج الشافي والعون الحقيقي لهذه المُعضِلة. يُخبرنا الإنجيل المقدس، أنَّ الرب يسوع كان شغلَهُ الشاغل مساعدة الفقراء وعمل الخير معهم والأشخاص الذين كانت لديهم حاجات أخرى ماديّة وروحيّة واجتماعية. كما نقرأ عن معجزة الخمس خبزات والسمكتين في متى: "14 : 14 ـ 21 " وكذلك من قصص القديسين كمار نيقولاوس ـ مور زوخى، ومار رابولا الرهاوي وغيرهما. رغم اهتمام الرب يسوع البالغ بالفقراء والمرضى والمحتاجين بيدَ أنَّ نشاطهُ الكرَازي ياتي بالدرجة الأولى لديهِ......؟!
ففي الأنجيل المقدس نجد يسوع في إحدى المناسبات بعد أن قضى وقتاً في مساعدة المعوزين قال لتلاميذه: لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضاً لأني لهذا جئتُ. (1: 38، 39. لوقا 4: 43 ) كان مهماً فعل الخير للمحتاجين بالنسبة ليسوع ، ولكن الكرازة بملكوته الله مهمته الرئيسية والهدف الأسمى لأجل خلاص الأنسان بعد أُسلم يوحنا المعمدان يقول الكتاب : قد كَمُلَ الزمن وأقتربَ ملكوت الله " البشارة " فتوبوا وآمنوا بالأنجيل. ( مرقس 1: 14 )
وبما أنَّ الكتاب المقدس واضح بحث المسيحين أن " يتبعوا خطوات يسوع بدقة فائقة " وقد رسم لهم خريطة إرشادية مُمنهَجة وأن يكون لديهم أولوية في مساعدة الأخرين على حد قول الرسول بطرس : " لأنكم لهذا دُعيتم فإنَّ المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواتهِ. ( 1بط 2: 21) إذاً كيسوع يساعدون المحتاجين ويقتدون بهِ.
النظرة السادسة:
خدمة المحتاجين روحياً ومادياً.
لا نستطيع أن نعالج حالة الفقراء روحياً فقط أو مادياً واجتماعياً بل جملةً. على سبيل الفرض: فقير بحاجة إلى الطعام والملابس والسكن والدواء ومتطلبات أخرى من أولويات العيش اليومي، لا أستطيع أن أعقد له اجتماعات روحية وألقي المحاضرات عليه والأقوال الرنّانة وهو في حالة يُرثىَ لها من اليأس والقنوط والجوع المُفرَط. بل علينا أولاً: معالجتهِ نفسياً وجسدياً ليرتاح فكرهُ فيستعد لقبول الكلمة وهو مرتاح البال، ونفس الوقت لا يجوز أن أعلم المحتاج على التسول والسرقة القانونية كما نرى هذه الظاهرة في شوارع المدينة والأزقة وأمام الحانات والارصفة يجمعونَ الكثير من المال ولكن بدون فائدة روحية فيدخلون في عملية التسول والجشع وحب المال وإهانة الكرامة ويجعلون من الفقرِ والتسول وظيفة يوميّة يتكلونَ عليها فيزداد الجهل والتخلف والظلام وتقهقر المجتمع الإنساني. ولذلك الخدمة ينبغي أن تقوم على أمرين، أولاً: الغذاء الجسدي بما فيهِ من حاجات ضرورية، كالمَأكِل، الملبَس، السكن ، طبابة ، وظيفة محترمة، تأمين حياة زوجية وأمور أخرى تشعرهُ بإنسانيتهِ ووجودهِ وأنه عامل مُنتج وفعّال في مجتمعهِ ليتخلص من هذه الآفة فيسعّد من خيرات الحياة والبلاد.
ثانياً : الخدمة الروحية، يكون له برنامج مُنظم من افتقاد ، رعاية روحية واجتماعية ، دورات تثقيفية ليتعرف على شخص يسوع وقراءة الكتاب المقدس وقصص الآباء القديسين وحضور محاضرات وندوات وقداديس وتدريبه على كيفية الحصول على عمل. نرى في هذه الأزمة كثير من الكنائس تساعد المحتاجين عمل إنساني رائع وجميل ولكن مساعدة مادية لأشباع الجسد بدون مساعدة روحية فهذا يشجع المرء على التسول وهدفه هو مصلحة شخصية ليس إلاّ. إلى جانب المساعدة توعيّة فكريّة واجتماعيّة وروحية حتى يفهم فكر المسيح ورسالة المسيح من عمل الرحمة. فالأنسان ليس فقط جسد بل مجموعة من الطبائع والأشياء: جسد ، روح، نفس ، عقل، فكر ، مشاعر ، ضمير ، عواطف ، أحاسيس ، عادات ، تقاليد ، مميزات ، إفرازات ........ الخ وكلها تشترك في تكوين هذا الكائن ولذلك يجب أن نُعطي لكل جزءٍ غذائهِ حت تكون النتائج صحيحة ومفيدة لنفسهِ وللمجتمع. هناك طريقان للوصول إلى الله: إما بالأيمان أو بالمعرفة كقول الرسول بولس: " أما الأيمان فهو الثقة بما يُرجى والأيقان بأمور لا تُرى. ( عبرانيين 11: 1) وهكذا يأخذ الأنسان من تَجرُبَة الفَقر خبرة روحية عميقة ويتمتع ببركاتها ووسائطها فيشهد للمسيح قولاً وفعلاً وعملاً. وتبقى خدمة الكلمة هي القوة الثالثة المتربعة في عرش القلوب في خدمة الفقير بدلاً من أي طُرق أخرى التي تهدف إلى مساعدة الأخرين ؟!!
لأنَّ من خلال الاختبارات الواقعة حول العالم أنهُّ عندما يفهم المؤمن الكتاب المقدس المَقروء والمَسموع والمعمول به ويتبعونهُ حرفاً وجملةَ وتفصيلاً، يُصبحونَ مُجَهزين وقادرين بشكل أفضل لمواجهة المشاكل اليوميّة في الأزمات بما فيها الفَقر. إلى جانب رسالة الكتاب المقدس عن ملكوت الله التي تمنح الناس رجاءً لا يخيب بالمستقبل ... رجاءً يحثهم أن يحبوا الحياة حتى في أصعب الظروف كقول الرسول بولس: " لأنَّ الرياضة الجسَديّة نافعةٌ لكل شيءٍ، إذ لها موعِدُ الحياة الحاضرة والعتيدة صادقةٌ هي الكلمةُ ومُستحِقَّةٌ كُلّ قُبولٍ. لأننا لهذا نتعبُ ونُعيَّرُ، لأننا قد ألقينا رجاءَنا على الله الحيِّ الذي هو مُخلِّصُ جميع الناس، ولا سيما المؤمنين. ( 1تيموثاوس 4: 8 ـ 10 )
النظرة السابعة:
كيف سينقذ يسوع الفقير ...؟!!
نهتف مع صاحب المزامير: " يَقضي لمساكين الشَّعبِ . يُخلِّص بني البائسينَ. ويَسحقُ الظالم. ( مز 72: 4)
1 ـ العدل : السيد المسيح رسالتهُ، هي العدالة والمساواة كما جاء في إنجيل يوحنا : " أنا هو الطريق والحق والحياة. 14: 6 " يريد يسوع الكل يعيش ويتمتع بالحياة وينال حقوقهِ الكاملة المستحقة. ولكن الأنسان هو الذي يغير مفاهيم الله بسبب أنانيته وحبهِ لذاته والتسلط على الأخر. كقول الشيطان لحواء: تكونان كالله عارفين الخير والشر. ( تكوين 3: 5 ) إذاً نحن أمام رذيلة الكبرياء والأنا مقرونة بالسلطة ومحبة المال وهذه الآفة قد يتعرض لها الأنسان الروحي والمدني معاً .
2 ـ السلام : نردد مع المرنم قائلين : " يُشرقُ في أيامهِ الصديقُ ، وكثرةُ السَّلام إلى أن يضمحَلَّ القمرُ" ( مز 72: 7 ) إنَّ مُعظم حالات الفقر المنتشرة في العالم ، سببها الصراعات والحروب البشريّة، لأجل السلطة والمال. لكنَّ الأنسان لا يشعر بالراحة والطمأنينة إلا إذا كان سلام المسيح معه وبداخلهِ ويعم العالم أجمع حتى يُزيل أحدهم أسباب الفقر كقول الرب : " سلاماً أتركُ لكُم. سلامي أعطيكم. ليس كما يُعطي العَالمُ أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا تَرهَب. ( يوحنا 14: 27 )
3 ـ التعاطف : أيضاً نستعين بالمرنم داود : " لأنهُ يُنجّي الفَقير المُتَغيثَ، والمسكين والبائسِ، ويُخلِّصُ أنفس الفقراء من الظلمِ والخطفِ يَفدي أنفسهُم، ويُكرمُ دَمهُم في عينَيهِ. ( مز 72: 12: 14
حسب فكر الله أن يعيش الكل بمساواة وعدل، المساكين منهم والفقراء والمظلومين. لأنهم جزءاً لا يتجزأ من عائلة بشرية سعيدة موحدة في ظل المسيح يسوع له المجد.
4 ـ الأزدهار: تُكّونُ حُفنةَ برٍّ في الأرض في رؤوس الجبال، تتماثلُ مثل لبنانَ ثمرَتُها، يُزهرونَ من المدينةِ مثل عُشبِ الأرضِ. (مز 72: 16) بالمسيح يسوع سوف يَعمُ الأمن والازدهار والاستقرار والعيش الوفير، ولن يُعاني الناس من النقص في الأغذية والمجاعةٍ اللذين يسببان كثير من الأحيان الفقر اليومي وسبب الاضطراب لدى الكثيرين. ولكن عندما يكون المسيح هو القائد والمرشد والمنظم والموزع في نفوس المسؤولين ومنظمات الاغاثة فسوف ينتهي الفقر وينتشر الأمن والسلام بين صفوف البشر.
5 ـ توزيع مُنصف وعادل : نستدل من قول الرب يسوع في عظتهِ على الجبل التطويبات وتُعرف بخطاب العرش " دستور الأيمان المسيحي " يُكرّر ويأكد ثلاث مرات على المحتاج، فمرةً يسميهم الفقراء أو المساكين في التطويبة الأولى : " طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات. وتارةً الجياع : " طوبى للجياع والعِطاش إلى البر فأنهم بُشبَعون، وأخيراً الرحماء : " طوبى للرحماء فأنهم يُرحمون. ( متى 5 ) إذاً يتعرض المحتاج إلى ثلاث أمور: " الفقر، الجوع ، الرحمة " فأسباب الحاجة هما الفقر والجوع ونتيجة لذلك تعمل بكل قوتَهَا حتى تَفُك هذه المعادلة. فنصل إلى أنَّ الفقير المعوز يحتاج إلى الرحمة أي المساعدة والمساندة حتى يُعيد قِوَاه الروحية والجسدية ونسبح الرب الذي هيأ هذا المحسن الكبير. على المنظمات والمؤسسات ولجان الاحسان أن لا تتاجر باسم الفقراء بل تسعى في تطويره وتُنشئ لهم مشاريع وفرص عمل حتى يعمل ويشعر بإنسانيتهِ ويصبح فعالاً ومنتجاً في مجتمعهِ وبهذه الطريقة نسعى في القضاء على آفة الفقر وتشارك في تطوير ونمو المجتمعين المدني والكنسي أزدهار البلد، ولكن احياناً يوجد من له هدف من الفقر للفائدة الشخصية وهذا ليس لبناء الأنسان والوطن بل يساعد على تزايد الجهل والفساد والتخلف والتسول وبئسَ المصير. فعلينا أن نكونَ من رواد البناء حتى نُظهِر صورة المسيح في حياتنا اليومية ونشهد له قولاً وعملاً كقول الرب في عظتهِ على الجبل :أنتم نور العالم ....... فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يَروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات . ( متى 5: 14 ـ 16 )

أيها الأحباء: فعلينا أن نفعل نحن أيضاً عمل الرحمة بأخوتنا بني البشر وخصوصاً الفقراء منهم، ولا سيما في أيام الأعياد والمناسبات الروحية وإذ نحن مُقدمون على عيد الميلاد المجيد. فنعزي الحزانى ، ونُفَرّح عن المكروبين ونجبر القلوب المنكسرة، ونحولّ عوز الفقراء والمساكين وفاقتهم إلى اكتفاء بالعطاء السخي متمثلين بالرب يسوع والقديس نيقولاوس فينشر أمنه وسلامه في نفوسنا والعالم أجمع وتملأ البهجة والسرور قلوب البشر فرحاً روحياً آمين ♱


الأحد السادس ـ ولادة يوحنا المعمدان
10/12/2015م
رابولا الربَّان
أضف رد جديد

العودة إلى ”܀ منتدى المرشد الروحي للأب الربّان رابولا صومي.“