ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه
بقلم قداسة البطريرك مار أغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي طوبى.
فقال لهم يسوع: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته (مر 6 : 4 ).
إن الرب يسوع الذي ولد بالجسد في بيت لحم أفراثة كما تنبّأ عنه النبي ميخا (مي 5 : 2)، ونما بالقامة والنعمة عند الله والناس (لو 1 : 80) قد تربى في الناصرة اعتبرت الناصرة وطناً له. وبعد أن اعتمد من يوحنا المعمدان ، وصام أربعين يوماً وأربعين ليلة، وبعد أن جرب نيابة عنا وانتصر على إبليس وأنعم علينا نحن المؤمنين والقابلين الفداء بدمه الكريم، منحنا النصر باسمه على إبليس وجنده حيث قد أمات الموت بموته على الصليب لأجل خلاصنا وقام في اليوم الثالث من بين الأموات وأقامنا معه.
فعندما ابتدأ تدبيره الإلهي العلني بالجسد، جاء إلى الناصرة وطنه ودخل المجمع ، وكانت إرادة الله أن يؤسس اليهود مجامع أثناء السبي البابلي للصلاة فيها بدلاً من تقديم الصلاة والذبائح والتقدمات في الهيكل في أورشليم، وصارت هذه المجامع مدارس حيث كانت تقرأ أسفار التورة والنبوات للشعب ليبقى اليهود بلا عذر عن دم إيمانهم بمشيحا المسيح الذي تنبّأ عنه الأنبياء وحدّدوا موعد مجيئه إلى العالم وزمن ولادته وسمو رسالته بل أيضاً الامه وموته وقيامته. نحن نعلم أن شعب العهد القديم كانت لهم خيمة الاجتماع على عهد موسى ثم شيد لهم هيكل سليمان حيث كانت تقدم الصلوات والذبائح والقرابين، ولكن في فترة السبي البابلي ابتدأ نظام المجامع، وفي المجمع كانت تقرأ التوراة والنبوات باللغة العبرية وتترجم إلى السبي البابلي لغتهم الأصلية واستعملوا اللغة الارامية لغة الشعب الذي سباهم ، وهي اللغة التي تكلم بها الرب يسوع عندما أتم تدبيره الإلهي العلني بالجسد. وعندما رجع اليهود من السبي البابلي استمروا على تشييد المجامع التي كان يرأسها ويديرها أناس علمانيون كوكلاء يهمهم فقط أن يجتمع أكبر عدد من الناس ويسمحون بالتعليم لمن يرون فيه رجلاً يرغب الناس في أن يشاهدوه ويسمعوه مثل الرب يسوع ، وهذه نعمة عظيمة أن الرب يسوع كان يدخل المجمع ويعلم وينشر بشارته الإنجيلية كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين. فلو كانت المجامع تحت رعاية رؤساء الكهنة اليهود والكتبة والفريسيين لمنعوا الرب يسوع من الكلام في مجمع يهودي.
جاء الرب يسوع إلى الناصرة وطنه وقد بلغ الثلاثين من عمره، السن التي كان يحق فيها لليهودي أن يخاطب الناس جهراً. ودخل المجمع ، ويقدم ليقرأ فناوله الخادم الدرج ( السفر من الكتاب المقدس وكان سفر إشعياء النبي ) . فتح يسوع السفر فكان الموضع الذي كتب فيه ما يأتي: روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة، ثم طرى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس، وجميع الذين كانوا في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه فابتدأ يقول لهم إنه اليوم قد تم ّ هذا المكتوب في مسامعكم ، وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من الكلمات النعمة الخارجة من فمه (لو 4 : 16 – 22 ) قال الرب أيضاً: لأكرز بسنة الرب المقبولة وسنة الرب المقبولة هي سنة اليوبيل ، ويقع مرة كل خمسين سنة وفي هذا اليوبيل كان الإنسان يحرّر فيه. بعد أن أتم يسوع القراءة جلس، وكان الذي يقرأ ثم يجلس يعني ذلك أنه يريد أن يتكلم ، فعندما جلس الرب يسوع بعد أن أكمل القراءة قال: اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم وبذلك أعلن نفسه جهراً أنه حقاً ماشيحا المسيح الذي انتظرته الشعوب وتنبّأ عنه الأنبياء لأنه قد مسح كاهناً ونبياً وملكاً ، كل واحد من هؤلاء كان عندما ينتخب ويعين يسكب على هامته زيت، وكان هذا طقساً لتعين كل واحد منهم ملكاً أو كاهناً أو نبياً، فالنبي إشعياء تنبّأ على لسان الرب يسوع بقوله: روح الرب عليّ لانه مسحني لأبشر المساكين لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر لأفتح عيون العميان، ثم بعد ذلك أولئك الذين كانوا في المجمع ولعدم إيمانهم استشاطوا غضباً واخذوه إلى حافة الجبل المبنيّة عليه مدينتهم، أرادوا أن يطرحوه منه، لماذا؟ لأنه خيّب ظنّهم لأنهم كانوا بحسب تعليم ابائهم يعتقدون بأن المسيح الذي سيأتي سيكون ملكاً كما تنبّأ عنه موسى النبي بقوله: يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون (تث 18 : 15 ) كان اليهود بحسب تعليم ابائهم يريدون قائداً دنيوياً محارباً لكي يحررهم من طغيان الرومان، لا أن بأتي إنسان حليم وديع عرفوه باستقامته وبمحبته للناس كيسوع يخلصهم من إبليس عدوهم وعدو البشرية كافة ويحررهم من الخطيئة. لا بريدون إنان كهذا ليكون نبيهم لذلك قاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاؤوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل، أما هو فجاز في وسطهم ومضى، وختم بذلك قوله الإلهي: ليس نبيّ بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته ، ولذلك تركهم يسوع وذهب إلى قرى قرى ودساكر وكان يبشر، وعرف بتعاليمه السامية السماوية حتى قيل عنه: إنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين ( مت 7 : 29 ) واجترح معجزاته الباهرات. وبعد سنة وربع السنة وقد ذاع صيته بين الناس عاد إلى مدينته الناصرة ثانية، طبعاً كان يعرف كل شيء قبل أن يحدث، ولكن كل مانقوله عنه نقوله بحسب إدراكنا نحن البشر، كان لابدّ أن يعود إلى الناصرة لكي يدان أولئك الناس الذين يرفضون والذين رفضوه أيضاً في أماكن كثيرة لأنه كان معووفاً لديهم أنه نجّار ،بعدئذ ظنوا أنه مختل ومن بينهم بعض أقربائه وحاولوا أن يأخذوه إليهم، فتّم ماقيل عنه: إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله اما كل لذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا اولاداً لله أي المؤمنون باسمه الين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ( يو 1 : 11 – 13 ).
في هذه المرة الثانية أيضاً دخل المجمع يوم السبت وطالبه المجتمعون باجتراح المعجزات لأنه كان قد أذيع عنه أنه اجترح معجزات باهرات في أماكن عديدة. قبل مجيئه ثانيةً إلى الناصرة كان قد أقام ابنة يايرس من الموت بقوله: طليثا قومي (مر 5 : 41 ). قالها بالغتنا السريانية الارامية التي كانت لغتهم وترجمة هذه العبارة أيتها الصبية انهضي ، فرجعت روحها وسلمها لأبويها حيةً. ولكن يسوع لم يصنع معجزة واحدة في الناصرة. مرقس الرسول يقول: إنه لم يقدر أن يصنع معجزةً (مر 6 : 5 )، المسيح رب المجد، المسيح الإله المتجسد، الله ظهر بالجسد يقال عنه إنه لم يقدر أن يصنع معجزةً، هذا درس مهم لنا، فالله يقدر على كل شيء، يعطينا المواهب والنعم الإلهية العظيمة، ولكننا لن نستحقها ما لم نؤمن به، ونتقبل هحكم عليه ذه العطية. حتى في الفكر الدنيوي أو النظام الدولي، إذا ملك ما أو رئيس جمهورية ما أعلن براءة إنسان حكم علي بالإعدام، لا ينفذ العفو من الحكم عليه ما لم يقبل هذا الإنسان عفو رئيسه أو ملكه. نحن تعطى لنا من الله نعم عظيمة، مالم نتجاوب مع هذه النعمة، ما لم نقبلها نكون كأهل الناصرة الذين رفضوا الرب يسوع والذين لم يستحقوا أن يلبى طلبهم بصنع معجزات في مدينتهم حسب طلبهم ، لكن مع هذا يقول الإنجيل المقدس: أن مرضى قليلين قصدوه ونالوا الشفاء إذ وصنع الرب يسوع يده عليهم (مر 6 : 5 )، وفي المرة الثانية هذه أيضاً ذكروه أنه هو نجار وهو ابن يوسف النجار، لأنه كان يساعد يوسف بحانوت النجارة. ليست حقارة ً بالإنسان أن يمتهن مهنةً منذ صباه. فقد كانت العادة لدى اليهود في تلك الأيام لا أن يعلمونهم مهنة ما، مثال ذلك الرسول بولس الذي كان ينسج الخيام، وبولس الرسول عندما كان ينادي بالبشارة بالمسيح يسوع مخلص العالم، في الوقت نفسه كان يعمل ويقيت نفسه والذين معه. ولذلك الرب يسوع الإله المتجسد امتهن النجارة ودعي نجاراً، فعندما مات يوسف كان يسوع يقيت نفسه وأمه مريم وهو يعمل نجاراً وسمي النجار ابن مريم. لذلك ولأنهم عرفوه لم يعترفوا به أنه نبي. علينا نحن أن نحكم على الإنسان بفضائله، بأعماله الصالحة، بإيمانه لا نحكم عليه لمهنة يمتهنها أو لبساطة في العيش، لا ننظر إلى الإنسان باحترام لغناه أو لمركزه الدينوي المرموق، بل لنقائه وصفائه وقداسته. هذا مايجب أن نحكم به على الإنسان. لا نحكم عليه لأنه منّا وفينا، لأنه من بلدنا، لأنه من طائفتنا، لأنه يسير معنا بتواضع ووداعة نحكم عليه بهذه الخصال السامية أنه حقاً من أتباع الله، أنه حقاً ابن الله بالنعمة والمسيح يسوع هو ابن الله بالطبيعة وهو المساوي للاب في الجوه. لم يفهم أولئك الناس هذا الأمر أبداً، حتى الذين كانوا من اليهود بعيدين عن الناصرة وعن الرب يسوع أيضاً، حكموا عليه بأنه ليس النبي وعندما نقول النبي يعني النبي الذي تنبّأ عنه موسى وأنهم كانوا ينتظرونه وانه هو ماشيحا مشتهى الدهور والأجيال، ليس هو النبي حسب ظنهم، ولماذا ؟
لأنهم لا يعرفون من أين أتى، لا نعرف أبويه، لا نعرف عنه شيئاً، فاعتبروا ذلك عذراً لهم بعدم الإيمان بالمسيح. أما أهل الناصرة فلأنهم عرفوه لم يؤمنوا به.
ما يفيدنا جداً عندما نذكر ما ذكرناه عن وطن الرب يسوع انه قيل عنه أنه نجار وابن النجاّر، وأن أخواته عندهم في الناصرة. هذا الشيء يقام برهاناً ساطعاً وحجة دامغة ضدّ أولئك الذين يتساءلون عن المكان الذي عره اثنتي عشرة سنة، وبين ظهوره للناس في الثلاثين من عمره. إذن المسح لم يذهب إلى أي مكان خارج وطنه، إنما كان في الناصرة يعيش عيشة بسيطة كنجار بسيط ، لم يذهب كما تدعي الصهيونية اليوم إلى الهند أو إلى اماكن أخرى ليتعلم السحر ويأتي ثانية إلى بلده ، وإنما عاش المسح كإنسان بسيط، جاء ليعلمنا كيف نحيا بالله، كيف نكون أنقياء، كيف نكون مستقيمين، كيف نعيش مع الناس بلطف ومحبة واستقامة، كيف نضحّي في سبيل الاخرين. لذلك عاش كإنسان بسيط يأكل خبزه بعرق جبينه في الناصرة حتى ظهر للعالم يوم عماده، وبعد انتصاره على جبينه في التجاري التي دخلها في البرية أتى إلى الناصرة ثانيةً كما قلنا اعلن نفسه أنه ماشيحاولكنهم لم يقبلوه. هذا درس نفيس لنا نحن الذين نسعى إلى أن نكون للمسيح، حاملين رسالته السامية ، كان هو الرسالة وحمل هذه الرسالة إلى العالم ورفض خاصّةً من أقرب أقربائه. نحن نحمل رسالته السامية، رسالة السماء ليس عند أفضل من سيده ( بو 13 : 16 )، سوف لا نكون دائماً مقبولين من الناس وخاصةً من الذين هم قريبون غلنا جداً. نتذكر أن المسيح قال: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته ، حتى الأنبياء الكذبة الذين قال عنهم الرب لم ارسل الأنبياء بل هم جروا، لم أتكلم معهم يل هم تنبّأوا (إر 23 : 21 )، حتى أولئك لا يقولون هذا الكلام، هذه الاية المقدسة التي ذكرها الرب يسوع التي جرت مثلاً أيضاً، ولكن النبي الحقيقي، النبي الصادق عندما يقولها بإبهام رباني يعلم أنه قد أرسل حقاً من الله والعال بعرف أنه نبيّ. بطرس الرسول عندما وبّخ اليهود لأنهم لم يقبلوا المسيح ذكرهم أن علامات النبي ظهرت في هذا الإنسان بتقواه، بمحبته السلام، بنكران الذات، بالتضحية حتى أنه فدانا بدمه الكريم، علامات النبي ظهرت فيه ولكنهم لم يقبلوه لأنهم كانوا ضالين ومضليي.
ليعطنا ارب أن نسلك بموجب ناموسه الإلهي ونتبعه حاملين صليبه، وألاّ نهتم إن كان الناس يقبلون ما نقوم به أو يرفضون إن كنا حقاً متمسكين بشريعته الإلهية حاملين رسالته السماوية، لذلك نستحق أن نكون حقاًفي عداد أولئك الذين حملوا الرسالة وجاهدوا واحتهدوا في نشر البشارة الإنجيلية وكانوا من الظافرين ليس فقط في هذا العالم، بل أيضاً في العالم الثاني، فنشكر الله تعالى لأننا وجدنا في عداد الذين امنوا بالرب يسوع واعترفوا به مسيحاً ورب الأنبياء وملك الملوك الذي فيه تمت نبوات الأنبياء.
بقلم قداسة البطريرك مار أغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي طوبى.
فقال لهم يسوع: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته (مر 6 : 4 ).
إن الرب يسوع الذي ولد بالجسد في بيت لحم أفراثة كما تنبّأ عنه النبي ميخا (مي 5 : 2)، ونما بالقامة والنعمة عند الله والناس (لو 1 : 80) قد تربى في الناصرة اعتبرت الناصرة وطناً له. وبعد أن اعتمد من يوحنا المعمدان ، وصام أربعين يوماً وأربعين ليلة، وبعد أن جرب نيابة عنا وانتصر على إبليس وأنعم علينا نحن المؤمنين والقابلين الفداء بدمه الكريم، منحنا النصر باسمه على إبليس وجنده حيث قد أمات الموت بموته على الصليب لأجل خلاصنا وقام في اليوم الثالث من بين الأموات وأقامنا معه.
فعندما ابتدأ تدبيره الإلهي العلني بالجسد، جاء إلى الناصرة وطنه ودخل المجمع ، وكانت إرادة الله أن يؤسس اليهود مجامع أثناء السبي البابلي للصلاة فيها بدلاً من تقديم الصلاة والذبائح والتقدمات في الهيكل في أورشليم، وصارت هذه المجامع مدارس حيث كانت تقرأ أسفار التورة والنبوات للشعب ليبقى اليهود بلا عذر عن دم إيمانهم بمشيحا المسيح الذي تنبّأ عنه الأنبياء وحدّدوا موعد مجيئه إلى العالم وزمن ولادته وسمو رسالته بل أيضاً الامه وموته وقيامته. نحن نعلم أن شعب العهد القديم كانت لهم خيمة الاجتماع على عهد موسى ثم شيد لهم هيكل سليمان حيث كانت تقدم الصلوات والذبائح والقرابين، ولكن في فترة السبي البابلي ابتدأ نظام المجامع، وفي المجمع كانت تقرأ التوراة والنبوات باللغة العبرية وتترجم إلى السبي البابلي لغتهم الأصلية واستعملوا اللغة الارامية لغة الشعب الذي سباهم ، وهي اللغة التي تكلم بها الرب يسوع عندما أتم تدبيره الإلهي العلني بالجسد. وعندما رجع اليهود من السبي البابلي استمروا على تشييد المجامع التي كان يرأسها ويديرها أناس علمانيون كوكلاء يهمهم فقط أن يجتمع أكبر عدد من الناس ويسمحون بالتعليم لمن يرون فيه رجلاً يرغب الناس في أن يشاهدوه ويسمعوه مثل الرب يسوع ، وهذه نعمة عظيمة أن الرب يسوع كان يدخل المجمع ويعلم وينشر بشارته الإنجيلية كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين. فلو كانت المجامع تحت رعاية رؤساء الكهنة اليهود والكتبة والفريسيين لمنعوا الرب يسوع من الكلام في مجمع يهودي.
جاء الرب يسوع إلى الناصرة وطنه وقد بلغ الثلاثين من عمره، السن التي كان يحق فيها لليهودي أن يخاطب الناس جهراً. ودخل المجمع ، ويقدم ليقرأ فناوله الخادم الدرج ( السفر من الكتاب المقدس وكان سفر إشعياء النبي ) . فتح يسوع السفر فكان الموضع الذي كتب فيه ما يأتي: روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة، ثم طرى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس، وجميع الذين كانوا في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه فابتدأ يقول لهم إنه اليوم قد تم ّ هذا المكتوب في مسامعكم ، وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من الكلمات النعمة الخارجة من فمه (لو 4 : 16 – 22 ) قال الرب أيضاً: لأكرز بسنة الرب المقبولة وسنة الرب المقبولة هي سنة اليوبيل ، ويقع مرة كل خمسين سنة وفي هذا اليوبيل كان الإنسان يحرّر فيه. بعد أن أتم يسوع القراءة جلس، وكان الذي يقرأ ثم يجلس يعني ذلك أنه يريد أن يتكلم ، فعندما جلس الرب يسوع بعد أن أكمل القراءة قال: اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم وبذلك أعلن نفسه جهراً أنه حقاً ماشيحا المسيح الذي انتظرته الشعوب وتنبّأ عنه الأنبياء لأنه قد مسح كاهناً ونبياً وملكاً ، كل واحد من هؤلاء كان عندما ينتخب ويعين يسكب على هامته زيت، وكان هذا طقساً لتعين كل واحد منهم ملكاً أو كاهناً أو نبياً، فالنبي إشعياء تنبّأ على لسان الرب يسوع بقوله: روح الرب عليّ لانه مسحني لأبشر المساكين لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر لأفتح عيون العميان، ثم بعد ذلك أولئك الذين كانوا في المجمع ولعدم إيمانهم استشاطوا غضباً واخذوه إلى حافة الجبل المبنيّة عليه مدينتهم، أرادوا أن يطرحوه منه، لماذا؟ لأنه خيّب ظنّهم لأنهم كانوا بحسب تعليم ابائهم يعتقدون بأن المسيح الذي سيأتي سيكون ملكاً كما تنبّأ عنه موسى النبي بقوله: يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون (تث 18 : 15 ) كان اليهود بحسب تعليم ابائهم يريدون قائداً دنيوياً محارباً لكي يحررهم من طغيان الرومان، لا أن بأتي إنسان حليم وديع عرفوه باستقامته وبمحبته للناس كيسوع يخلصهم من إبليس عدوهم وعدو البشرية كافة ويحررهم من الخطيئة. لا بريدون إنان كهذا ليكون نبيهم لذلك قاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاؤوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل، أما هو فجاز في وسطهم ومضى، وختم بذلك قوله الإلهي: ليس نبيّ بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته ، ولذلك تركهم يسوع وذهب إلى قرى قرى ودساكر وكان يبشر، وعرف بتعاليمه السامية السماوية حتى قيل عنه: إنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين ( مت 7 : 29 ) واجترح معجزاته الباهرات. وبعد سنة وربع السنة وقد ذاع صيته بين الناس عاد إلى مدينته الناصرة ثانية، طبعاً كان يعرف كل شيء قبل أن يحدث، ولكن كل مانقوله عنه نقوله بحسب إدراكنا نحن البشر، كان لابدّ أن يعود إلى الناصرة لكي يدان أولئك الناس الذين يرفضون والذين رفضوه أيضاً في أماكن كثيرة لأنه كان معووفاً لديهم أنه نجّار ،بعدئذ ظنوا أنه مختل ومن بينهم بعض أقربائه وحاولوا أن يأخذوه إليهم، فتّم ماقيل عنه: إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله اما كل لذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا اولاداً لله أي المؤمنون باسمه الين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ( يو 1 : 11 – 13 ).
في هذه المرة الثانية أيضاً دخل المجمع يوم السبت وطالبه المجتمعون باجتراح المعجزات لأنه كان قد أذيع عنه أنه اجترح معجزات باهرات في أماكن عديدة. قبل مجيئه ثانيةً إلى الناصرة كان قد أقام ابنة يايرس من الموت بقوله: طليثا قومي (مر 5 : 41 ). قالها بالغتنا السريانية الارامية التي كانت لغتهم وترجمة هذه العبارة أيتها الصبية انهضي ، فرجعت روحها وسلمها لأبويها حيةً. ولكن يسوع لم يصنع معجزة واحدة في الناصرة. مرقس الرسول يقول: إنه لم يقدر أن يصنع معجزةً (مر 6 : 5 )، المسيح رب المجد، المسيح الإله المتجسد، الله ظهر بالجسد يقال عنه إنه لم يقدر أن يصنع معجزةً، هذا درس مهم لنا، فالله يقدر على كل شيء، يعطينا المواهب والنعم الإلهية العظيمة، ولكننا لن نستحقها ما لم نؤمن به، ونتقبل هحكم عليه ذه العطية. حتى في الفكر الدنيوي أو النظام الدولي، إذا ملك ما أو رئيس جمهورية ما أعلن براءة إنسان حكم علي بالإعدام، لا ينفذ العفو من الحكم عليه ما لم يقبل هذا الإنسان عفو رئيسه أو ملكه. نحن تعطى لنا من الله نعم عظيمة، مالم نتجاوب مع هذه النعمة، ما لم نقبلها نكون كأهل الناصرة الذين رفضوا الرب يسوع والذين لم يستحقوا أن يلبى طلبهم بصنع معجزات في مدينتهم حسب طلبهم ، لكن مع هذا يقول الإنجيل المقدس: أن مرضى قليلين قصدوه ونالوا الشفاء إذ وصنع الرب يسوع يده عليهم (مر 6 : 5 )، وفي المرة الثانية هذه أيضاً ذكروه أنه هو نجار وهو ابن يوسف النجار، لأنه كان يساعد يوسف بحانوت النجارة. ليست حقارة ً بالإنسان أن يمتهن مهنةً منذ صباه. فقد كانت العادة لدى اليهود في تلك الأيام لا أن يعلمونهم مهنة ما، مثال ذلك الرسول بولس الذي كان ينسج الخيام، وبولس الرسول عندما كان ينادي بالبشارة بالمسيح يسوع مخلص العالم، في الوقت نفسه كان يعمل ويقيت نفسه والذين معه. ولذلك الرب يسوع الإله المتجسد امتهن النجارة ودعي نجاراً، فعندما مات يوسف كان يسوع يقيت نفسه وأمه مريم وهو يعمل نجاراً وسمي النجار ابن مريم. لذلك ولأنهم عرفوه لم يعترفوا به أنه نبي. علينا نحن أن نحكم على الإنسان بفضائله، بأعماله الصالحة، بإيمانه لا نحكم عليه لمهنة يمتهنها أو لبساطة في العيش، لا ننظر إلى الإنسان باحترام لغناه أو لمركزه الدينوي المرموق، بل لنقائه وصفائه وقداسته. هذا مايجب أن نحكم به على الإنسان. لا نحكم عليه لأنه منّا وفينا، لأنه من بلدنا، لأنه من طائفتنا، لأنه يسير معنا بتواضع ووداعة نحكم عليه بهذه الخصال السامية أنه حقاً من أتباع الله، أنه حقاً ابن الله بالنعمة والمسيح يسوع هو ابن الله بالطبيعة وهو المساوي للاب في الجوه. لم يفهم أولئك الناس هذا الأمر أبداً، حتى الذين كانوا من اليهود بعيدين عن الناصرة وعن الرب يسوع أيضاً، حكموا عليه بأنه ليس النبي وعندما نقول النبي يعني النبي الذي تنبّأ عنه موسى وأنهم كانوا ينتظرونه وانه هو ماشيحا مشتهى الدهور والأجيال، ليس هو النبي حسب ظنهم، ولماذا ؟
لأنهم لا يعرفون من أين أتى، لا نعرف أبويه، لا نعرف عنه شيئاً، فاعتبروا ذلك عذراً لهم بعدم الإيمان بالمسيح. أما أهل الناصرة فلأنهم عرفوه لم يؤمنوا به.
ما يفيدنا جداً عندما نذكر ما ذكرناه عن وطن الرب يسوع انه قيل عنه أنه نجار وابن النجاّر، وأن أخواته عندهم في الناصرة. هذا الشيء يقام برهاناً ساطعاً وحجة دامغة ضدّ أولئك الذين يتساءلون عن المكان الذي عره اثنتي عشرة سنة، وبين ظهوره للناس في الثلاثين من عمره. إذن المسح لم يذهب إلى أي مكان خارج وطنه، إنما كان في الناصرة يعيش عيشة بسيطة كنجار بسيط ، لم يذهب كما تدعي الصهيونية اليوم إلى الهند أو إلى اماكن أخرى ليتعلم السحر ويأتي ثانية إلى بلده ، وإنما عاش المسح كإنسان بسيط، جاء ليعلمنا كيف نحيا بالله، كيف نكون أنقياء، كيف نكون مستقيمين، كيف نعيش مع الناس بلطف ومحبة واستقامة، كيف نضحّي في سبيل الاخرين. لذلك عاش كإنسان بسيط يأكل خبزه بعرق جبينه في الناصرة حتى ظهر للعالم يوم عماده، وبعد انتصاره على جبينه في التجاري التي دخلها في البرية أتى إلى الناصرة ثانيةً كما قلنا اعلن نفسه أنه ماشيحاولكنهم لم يقبلوه. هذا درس نفيس لنا نحن الذين نسعى إلى أن نكون للمسيح، حاملين رسالته السامية ، كان هو الرسالة وحمل هذه الرسالة إلى العالم ورفض خاصّةً من أقرب أقربائه. نحن نحمل رسالته السامية، رسالة السماء ليس عند أفضل من سيده ( بو 13 : 16 )، سوف لا نكون دائماً مقبولين من الناس وخاصةً من الذين هم قريبون غلنا جداً. نتذكر أن المسيح قال: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته ، حتى الأنبياء الكذبة الذين قال عنهم الرب لم ارسل الأنبياء بل هم جروا، لم أتكلم معهم يل هم تنبّأوا (إر 23 : 21 )، حتى أولئك لا يقولون هذا الكلام، هذه الاية المقدسة التي ذكرها الرب يسوع التي جرت مثلاً أيضاً، ولكن النبي الحقيقي، النبي الصادق عندما يقولها بإبهام رباني يعلم أنه قد أرسل حقاً من الله والعال بعرف أنه نبيّ. بطرس الرسول عندما وبّخ اليهود لأنهم لم يقبلوا المسيح ذكرهم أن علامات النبي ظهرت في هذا الإنسان بتقواه، بمحبته السلام، بنكران الذات، بالتضحية حتى أنه فدانا بدمه الكريم، علامات النبي ظهرت فيه ولكنهم لم يقبلوه لأنهم كانوا ضالين ومضليي.
ليعطنا ارب أن نسلك بموجب ناموسه الإلهي ونتبعه حاملين صليبه، وألاّ نهتم إن كان الناس يقبلون ما نقوم به أو يرفضون إن كنا حقاً متمسكين بشريعته الإلهية حاملين رسالته السماوية، لذلك نستحق أن نكون حقاًفي عداد أولئك الذين حملوا الرسالة وجاهدوا واحتهدوا في نشر البشارة الإنجيلية وكانوا من الظافرين ليس فقط في هذا العالم، بل أيضاً في العالم الثاني، فنشكر الله تعالى لأننا وجدنا في عداد الذين امنوا بالرب يسوع واعترفوا به مسيحاً ورب الأنبياء وملك الملوك الذي فيه تمت نبوات الأنبياء.