سان فرانسيسكو ( الولايات المتحدة) - أسئلة خطير تؤرق الأطباء في مختلف أنحاء العالم: ما الذي يجعل السرطان يصيب المرضى مجددا بعد سنوات أو حتى عقود من الشفاء؟ وما هي آليات انتقال أو انتشار المرض الخبيث من عضو إلى آخر داخل الجسم؟ وهو ما يعرف باسم السرطان النقيلي. وبالرغم من عدم وجود بيانات إحصائية دقيقة، يقول العلماء إن ارتداد الإصابة بالسرطان هي السبب وراء وفاة نصف مرضى السرطان في العالم أو أكثر، وإن سبر أغوار هذه العملية البيولوجية والتصدي لها يفتح بالقطع نافذة أمل أمام الملايين من المرضى.
وتقول آنا جوميز وهي عالمة أحياء في مركز موفيت لعلاج السرطان بولاية فلوريدا الأميركية إن “هجرة السرطان ليست سهلة ولا بسيطة، بل إنها تتنافى مع كافة خواص هذا النوع من الخلايا، وتوضح في تصريحات للموقع الإلكتروني مجلة المعرفة المتخصص في الأبحاث العلمية أن انتشار السرطان يتطلب قيام الخلايا الخبيثة برحلة شاقة داخل الجسم، فخلايا سرطان الثدي على سبيل المثال مهيأة للحياة داخل ذلك العضو حيث تقتات على الأحماض الدهنية وتقاوم المخاطر المحلية قبل أن تتحول إلى ورم صلب. وإذا ما تسللت هذه الخلايا إلى مجرى الدم، فإنها تجد نفسها تندفع بسرعة أربعين سنتيمترا في الثانية تحت قوة ضغط قادرة على تمزيقها وتفتيتها. أما إذا نجحت تلك الخلايا في اجتياز هذه الرحلة المضنية والمحفوفة بالمخاطر بحيث تصل إلى عضو جديد مثل المخ أو السائل النخاعي مثلا، فإنها تجد نفسها في بيئة مغايرة تماما دون نوعية الغذاء الذي اعتادت عليها وتحت تهديد مستمر من الخلايا المناعية وجزيئات جديدة قد تبادرها بالهجوم.
وذكر ماثيو فاندر هايدن مدير مركز كوخ لأبحاث السرطان التابع لمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة أنه لا عجب أنه بالرغم من انفصال خلايا خبيثة عن الأورام السرطانية طول الوقت، فإن معظم هذه الخلايا الهاربة تفنى دون أن تتحول إلى نقيلات أو أورام سرطانية مهاجرة، ويضيف أعتقد شخصيا أن السرطان النقيلي هو محض حادث. ومن جانبها، توضح باتريشيا مانزانو باحثة الأحياء في مركز علوم الأحياء الجزيئية والطب التجديدي في أشبيلية بإسبانيا أن الخلايا السرطانية القليلة التي تقطع الرحلة المضنية داخل الجسم عادة ما تتحلى بالمرونة بحيث تستطيع أن تحصل على الغذاء في بيئة جديدة عليها، وتتعامل مع جزيئات غريبة محيطة بها، وربما تقوم بتعديل بعض خواصها البيولوجية لتفادي المخاطر المحلية والحصول على الطاقة اللازمة للبقاء. وتقول إن بعض الخلايا الخبيثة تبعث بإشارات كيميائية لتعديل خواص الأنسجة الجديدة التي تستهدفها قبل الوصول إليها بحيث تكون مهيئة لاستقبالها.
خلايا سرطان الثدي مهيأة للحياة داخل العضو حيث تقتات على الأحماض الدهنية وتقاوم المخاطر المحلية قبل التحول إلى ورم
ويقول فاندر هايدن إن الأورام السرطانية عادة ما يكون لها تأثير أخطر داخل الأعضاء التي نبتت داخلها من الأساس، ولكن عندما تهاجر، فإنها تفضل استهداف أعضاء أخرى بعينها، فسرطان البروستاتا مثلا يفضل الانتقال إلى العظام. ومن جهة أخرى، قد تصل الخلايا السرطانية إلى أماكن من المستبعد للغاية أن تتأقلم على الحياة داخلها، فالطحال والعضلات الهيكلية مثلا يمكنها أن تقاوم الانبثاثات السرطانية، ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب العلمية المحتملة، فالخلايا العضلية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة ما يؤدي إلى إفراز منتجات جانبية مثل مركبات الأكسجين التفاعلية. ورغم قدرة الخلايا العضلية المحلية على تحمل هذه المركبات، فإنها تعتبر سامة لأنواع الخلايا الأخرى مثل السرطان، ورغم وصول أعداد كبيرة من الخلايا الخبيثة إلى العضلات الهيكلية عبر مجرى الدم، فإنها نادرا ما تستقر في العضلات، وهو ما يرجعه العلماء إلى وفرة جزيئات الأكسجين التفاعلية في تلك الأعضاء.
وتشير الباحثة آنا جوميز إلى أن بعض الأورام يمكنها تحضير أعضاء أخرى في الجسم لاستقبالها، حيث أن الورم السرطاني لا يطلق فقط خلايا في مجرى الدم والخلايا الليمفاوية، بل هرمونات وأحماض وراثية وفقاعات دهنية صغيرة يطلق عليها حويصلات. وتحتوي هذه الفقاعات على رسائل كيميائية تقوم بإعادة تهيئة الأنسجة التي تصل إليها وتجهيزها بحيث تصبح صالحة لاستقبال الخلايا السرطانية حال وصولها. وتقول جوميز إن هذه العملية “التعليمية” تجهز المسرح لازدهار الخلايا السرطانية في موقعها الجديد. ويقول علماء إن بعض أنواع الميكروبات تشارك أيضا في هذه العملية، فبكتيريا الأمعاء مثلا “تعلم” الكبد كيفية استقبال الخلايا السرطانية المهاجرة، وبكتيريا الجهاز الهضمي تستوطن الأورام داخل الأمعاء ثم تجتاز الحاجز الذي يمنع محتوى الأمعاء من الوصول إلى باقي الجسم، وبالتالي تسمح بانتشار السرطان في أعضاء أخرى.
ومن أجل اكتشاف كيفية بقاء الخلايا السرطانية في البيئات الغريبة عنها داخل الجسم، فحصت أدريان بوار الباحثة في مركز سلون كيترينج التذكاري لأبحاث السرطان في نيويورك خلايا انبثاثية من سرطان الثدي أو الرئة انتقلت إلى السائل النخاعي لدى خمسة مرضى، وتوصلت بوار وفريقها البحثي إلى أن الخلايا السرطانية نجحت في تعديل بعض الخواص البيولوجية والكيميائية لديها بحيث يمكنها امتصاص الحديد من العضو الجديد، وهو معدن أساسي بالنسبة إليها من أجل النمو وإنتاج الطاقة. ووجدت بوار أن الخلايا السرطانية تفرز أنواعا من البروتينات لتجميع الحديد النادر في البيئة الجديدة، وبروتينات أخرى لامتصاص المعدن نفسه داخل الخلية السرطانية. واتضح للباحثين عند حقن فئران التجارب ببعض المواد الكيميائية التي تعطل امتصاص الحديد داخل الخلية السرطانية، أن هذه الفئران تعيش فترات أطول. ويؤكد العلماء أن التساؤلات بشأن هجرة الخلايا السرطانية داخل الجسم، ثم ازدهارها داخل العضو الجديد مازالت تحتاج إلى إجابات علمية شافية، علما بأنه لا توجد حتى الآن “وصفة علمية” لمقاومة انبثاث الأورام السرطانية.
والسرطان النقيلي هو ورم خبيث يحدث عندما تنفصل خلايا سرطانية من المنطقة التي تكونت فيها (منطقة السرطان الأولى) ثم تنتقل عبر مجرى الدم أو الجهاز الليمفاوي إلى مكان آخر، وتكوّن ورما سرطانيا جديدا في مكان آخر بالجسم، وفقا للمعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة.
ويعرف أيضا هذا السرطان بالنقائل السرطانية والانبثاث والسرطان الثانوي. ويحدث السرطان نتيجة حصول نمو غير طبيعي في الخلية نتيجة حدوث طفرة في المادة الوراثية وتحولها إلى خلية سرطانية؛ ما يؤدي إلى نمو غير متحكم فيه وتمدد غير محدود للأنسجة المجاورة.
وإحدى أهم أسباب خطورة السرطان هو قدرته على التمدد والانتشار، وذلك عبر:
النمو والتمدد إلى الأنسجة المجاورة.
الانتقال عبر الأوعية الدموية والجهاز الليمفاوي.
الوصول إلى نقطة معينة ثم الانتقال من الدم إلى الموقع الجديد.
النمو في المكان الجديد مما يشكل ورما جديدا.
تحفيز نمو أوعية دموية جديدة، ما يتيح التروية الدموية لنمو السرطان.
وأكثر الأماكن التي ينتشر إليها السرطان النقيلي هي: العظام والكبد والرئة. ولا يؤدي السرطان النقيلي دائما إلى أعراض، وقد يتأخر كشفه إلى المراحل الأخيرة، حيث يكون قد فات الأوان ولا تعود هناك إمكانية لعلاجه.
وإذا ظهرت أعراض فهي تعتمد على مكان الانتقال وحجم السرطان، ومن الأعراض:
ألم و كسور في العظام إذا انتشر السرطان إلى العظام.
صداع ودوخة إذا انتشر السرطان إلى الدماغ.
ضيق في التنفس إذا انتشر السرطان إلى الرئة.
يرقان أو تورم في البطن إذا انتشر السرطان إلى الكبد.
ويعد الشفاء بشكلٍ تام من السرطان النقيلي أمرا صعبا عادةً، كما أنّ انتشاره في العديد من أجزاء الجسم يجعل القضاء على جميع الخلايا السرطانية أمرًا صعبًا، لذا فإن العلاج في هذه المرحلة يهدف إلى السيطرة على انتشاره وتحسين جودة حياة المصابين.
أكثر الأماكن التي ينتشر إليها السرطان النقيلي هي: العظام والكبد والرئة. ولا يؤدي السرطان النقيلي دائما إلى أعراض
وتشير معدلات النجاة من السرطان أو الشفاء بالنسبة المئوية إلى الأشخاص الذين نجو من نوع محدد من السرطان لفترة زمنية محددة؛ إذ غالبًا ما تستخدم هذه النسب ما يُعرف باسم معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لقياس نسبة الشفاء، وبذلك تشمل معدلات البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لبعض أنواع السرطان النقيلي ما يأتي:
اللوكيميا 63.7 في المئة.
سرطان الغدة الدرقية 54.9 في المئة.
سرطان البروستات 30.2 في المئة.
سرطان الثدي للنساء 28.1 في المئة.
سرطان الجلد الميلانوما 27.3 في المئة.
سرطان الرحم (سرطان بطانة الرحم) 17.3في المئة.
سرطان القولون والمستقيم 14.2 في المئة.
سرطان الكلى 13.0 في المئة.
سرطان الرئة والشعب الهوائية 5.8 في المئة.
سرطان المثانة 5.5 في المئة.
سرطان البنكرياس 2.9 في المئة.
ومع ذلك لا يُمكن تعميم هذه النسب على جميع الحالات؛ حيث تُؤثر العديد من العوامل الأخرى على الشفاء من السرطان النقيلي، مثل خيارات العلاج المتاحة، والحالة الصحية للمصاب واستجابته للعلاج، لذا تختلف نسب الشفاء من حالة لأخرى.
ويعمل الأطباء على أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار لتحديد الإصابة بمرحلة السرطان الرابعة، وتشمل الآتي:
حجم الورم الرئيسي.
موقع الورم.
تحديد مدى انتشار الخلايا السرطانية داخل الجسم.
تحديد ما إذا كانت الخلايا السرطانية قد دخلت العقد اللمفاوية.
نوع الخلايا السرطانية.
الصحة العامة للشخص.
بعض الفحوصات، مثل:
الفحص السريري.
الفحوصات التصويرية، مثل الرنين المغناطيسي.
التنظير الداخلي.
فحوصات الدم.
الخزعة.
وتنتقل الخلايا السرطانية من مكان تطور الورم إلى باقي أجزاء الجسم بعدة طرق، تشمل نمو الخلايا السرطانية بشكل مباشر في الأنسجة المحيطة بالورم، وانتقال الخلايا السرطانية عبر مجرى الدم إلى أماكن بعيدة في الجسم،وانتقال الخلايا السرطانية عبر الجهاز اللمفاوي إلى العقد الليمفاوية القريبة أو البعيدة.
