الطلاق والكهنوت
بقلم أبو يونان
بقلم أبو يونان
المقالة هذه ذو شقين عن الطلاق والكهنوت ولكني اخترت هذين الموضوعين لأربطهما مع بعض .
لقد تزايدت في الآونة الأخيرة حالة الطلاق في مجتمعنا المسيحي الشرقي وعلى وجه الخصوص في بلاد المهجر أكثر مما هي في الوطن وباتت حالة يومية , في السابق ربما بعام كامل تحدث حالة واحدة او اثنتان وتقوم المحكمة الكنسية بالتصديق عليه , لكن اليوم ربما وصل العدد بالعشرات , أصبحنا أصحاب فتاوى وكلٌ يفتي ويقرر ما يحلو له , نحن أبناء الكنائس الرسولية والمُسلَّمة من الرسل الأطهار نعلم ولدينا حق اليقين والمعرفة أن الرب حين سلمها للرسل سلمها نقية طاهرة لا شائبة فيها , المطران الذي اطلق عليه تسمية المطران الجاهل بسبب أن لا يكسر وصية الصوم لم يعطي حلاً لرعيته أن يأكلوا لحماً أيام المجاعة وأغنامهم تموت لقلة المراعي فتركوا المسيحية واعتنقوا ديانة أخرى وموضوع الطلاق واضح وصريح في الكتاب المقدس حيث يقول الرب : "وأما أنا فأقول لكم أن مَنْ طَلَّق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني" (متى 5 : 32 ) وكذلك يقول الرب : "وأقول لكم أن مَنْ طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوَّج بأخرى يزنى" (متى 19: 9( , أكثر من 90% من حالات الطلاق في محاكمنا الكنسية ليست بسبب الزنى بل هي خلافات وعدم توافق بين الزوجين ومشاكل تتفاقم لانعدام المحبة والتضحية ووو ..... إلخ . وهنا جاء دور الفتوى وقالوا هذا ليس طلاق وإنما تفريق وبطلان عقد الزواج .... في أمور المحاماة والمحاكم المدنية يتقدم الدفاع بطرح كل المحاولات للدفاع عن موكله والقانون المدني شبيه بالمطاط يستطيع القاضي أن يمده أو يسحبه والمحامي يلعب على القانون باسم القانون لكن في الأمور العقائدية والكنسية هل هنالك مجالٌ للتلاعب ؟ ؟ هذا ما نستغرب له !!!!
الزوجان إذا افترقا أو كما يقال تم فسخ عقد قرانهما ألم يكن الزواج الذي يربطهما وهو سر من أسرار الكنيسة سراً مقدساً هل بطل هذا السر ؟ ولما لا يبطل غيره من الاسرار ؟ هل يستطيع أحد أن يبطل سر المعمودية أو الميرون ؟ إلا في حالة الهرطقة أو اعتناق ديانة اخرى
وحين يبطل هذا السر الذي قدسه الرب له المجد وباركه تكون بقية الأسرار قابلة للبطلان
يقول الرب : "مَنْ طلَّق امرأته، وتزوج، يزنى عليها" (مرقس 10: 11).
والسبب في هذا أن المسيحية ترى أن الرجل مرتبط بزوجته ، وان طلاقه منها بغير علة الزنى هو طلاق باطل لا يفصم عرى الزوجية. لذلك اذا تزوج بأخرى يعتبر زانيا ، إذ أن المسيحية لا تسمح له بالجمع بين زوجتين في وقت واحد.
لقد أصبح الطلاق لدى العلمانيين حالة طبيعية لقلة الإيمان وانعدام المحبة والتضحية ولدى بعض القيادات الروحية تجارة رابحة وبخلال ساعات قليلة يحصلوا على عدة ألاف من الدولارات كما أصبحت الإجراءات روتينية في محاكمنا وللأسف .
ولنسلم لهذا الأمر فنحن لسنا سوى عبيد بطالون ولا يحق لنا أن نحاسب أو ندين ومنْ نحنُ لكي ندين وقد منحهم الرب سلطان الربط والحل عندما قال لبطرس الرسول :
وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ». متى 16 : 19
ونأتي إلى صلب الموضوع بعد هذه المقدمة الطويلة وهو في غاية الأهمية هو ترك الآباء الرهبان لنذورهم الرهبانية وهو من المواضيع الشائكة والتي يتجنب الكثيرين من طرحها لحساسيتها خاصة للرئاسة الكنسية والتي تعتبر هذا الأمر ( فشل شخصي ) ، بالحقيقة لم أرى أحدا يترك الرهبنة إلا من بعد مشكلة معينة ، وأعرف حالات لم يتم فيها حتى مد يد المساعدة ، يجب أن يعالج السبب أولاً قبل أن يعطى العلاج وإلا فحالات ترك الرهبنة ستزيد يوما بعد يوم. وإن عبارة "أحب العالم" التي يحاول البعض أن يتهجم بها على هؤلاء يجب أن تلغى من قاموسنا الكنسي لأنه من المعيب علينا أن نرمي بأخطائنا على ظهور الآخرين ونعتبر الآخر هو السبب وليس نحن. لذلك يجب وضع آلية معينة لإعادة هؤلاء الأشخاص إلى حضن الرهبنة، وإذا تعذر ذلك وقد تزوج البعض منهم ويحمل الكهنوت ، يجب أن يبقى هذا الشخص عضواً حياً في كنيسة المسيح السريانية ولا يبقى وضعهم معلقاً بقرار شخصي من سيدنا البطريرك،
أن المتقدم للنذور الرهبانية لم يرغم عليها بل هي طوعية واختيارية ورغبة ودعوة ولا يوجد أمر إلهي وحين يتركها أيضاً باختياره ورغبته ولذلك من المفروض أن لا يجرم على تركها .
وهنالك من الرهبان الذين يحملون سر الكهنوت وقد تركوا الخدمة ومن المعلوم أن هذا السر لا يبطل إلا في حالات الهرطقة غير ذلك سر قائم وهو من الأسرار التي تمنح للمؤمن مرة واحدة ولا يعاد مثله مثل سر المعمودية وسر الميرون , هؤلاء البعض منهم ترك الخدمة وتزوج لكنه بالمفهوم الكنسي الحقيقي هو كاهن وترفض الكنيسة أن يعود للخدمة كبقية الكهنة أولاً لكونه كان كاهناً قبل أن يتزوج ولا يجوز هذا وثانياً خوفاً على البقية الباقية من الرهبان كي لا يتركوا ويتزوجوا ثم يعودوا للخدمة .
الكتاب المقدس في هذا المضمار واضح وصريح إن كان من ناحية الرهبنة فالآيات عديدة من فم رسول الأمم حيث يقول : " حسن للرجل أن لا يمس امرأة " و"أريد أن يكون جميع الناس كما أنا" "أي بتوليين". و"أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا " و"أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة " و"أقول هذا أيها الإخوة الوقت منذ الآن مقصر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم " و"أريد أن تكونوا بلا هم، غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف للرب كيف يرضى الرب، وأما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضى امرأته " و"من زوج فحسنا يفعل ومن لا يزوج يفعل أحسن" (بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح السابع 38،32،29،8،7،1- وانظر أيضا 37،26 )
هذه وصايا بولس الرسول للبتوليين لكن ما هي وصاياه لمن يشتهي الكهنوت والزواج في آن واحد ؟ يقول في رسالته إلى تلميذه تيموثاوس الأولى : صادقة هي الكلمة ان ابتغى احد الاسقفية فيشتهي عملا صالحا ، فيجب ان يكون الاسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة صاحيا عاقلا محتشما مضيفا للغرباء صالحا للتعليم . هنا يتكلم عن الاسقف الذي هو أعلى مرتبةً من الكاهن فما المانع إن تزوج من كان راهباً .
هل هناك مانع قانوني أو عقائدي من هذه الآيات ؟
لماذا تم تحليل الطلاق وليس لسبب الزنى بل لخلافات وعدم اتفاق بين الأزواج ؟
ولم توافق الرئاسة الكنسية على عودة هؤلاء الرهبان بعد أن تزوجوا ككهنة يخدمون بيعة الله في أبرشياتنا التي بحاجة ماسة لكهنة (( الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. )) متى 9 : 37
أتمنى أن تكون هنالك آذاناً صاغية لهذا النداء ويعاد النظر في هذا الموضوع فناقوس الخطر يقرع والغاية من طرح هذا الموضوع لبناء الكنيسة لا الهدم والتشهير والله ما وراء القصد
أبو يونان
النمسا – فيينا
4 شباط 2013